حول ثقافة الكراهية

بات من الواضح أن ظواهر التعصب والتطرف والإرهاب لا تقتصر على العديد من مجتمعات البلدان النامية وحدها، بل هناك مجتمعات ودول متقدمة تدّعي أنها تصدّر الحضارة والتسامح والديمقراطية للآخرين، بينما هي في الحقيقة توجد فيها مثل هذه الظواهر التي تظهر إلى الوجود بأشكال مختلفة بين الحين والآخر.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنع مواطني 7 دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة لمدة ثلاثة أشهر، ومنع اللاجئين لمدة 4 أشهر باستثناء اللاجئين السوريين الذين منعوا لأجل غير مسمى.

أول ما يقال في مثل هذا القرار إنه جائر، ويتسم بالعنصرية والتمييز والكراهية، وهذا الوصف للقرار أطلقه أمريكيون في تظاهرات قاموا بها تضامناً مع الجالية المسلمة والعربية في أمريكا واحتجاجاً على هذا القرار..
وقد أثار القرار على الرغم من نقضه من جانب القضاء (الدعوة إلى الكراهية)، إضافة إلى التمييز والعداوة والعنف، وهي كلها مسائل محظورة بموجب المادة 19 الخاصة بحرية التعبير، الوارد ذكرها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مثلما هي الدعاية للحرب.

الرئيس ترامب من خلال ما يترسب في ذهنه حاول استفزاز المسلمين عبر خطابه الشعبوي التحريضي ضد ما أسماه (الإسلام الإرهابي) وقبل ذلك (الفاشية الإسلامية) ومن قبل بوش الابن الذي وردت على لسانه في تصريح له عبارة (الحرب الصليبية الجديدة).

إذاً هناك ترسبات في الذهن الأمريكي سرعان ما تظهر على السطح في بعض المنعطفات التاريخية حتى في البلدان المتقدمة، كما هي الحال في العديد من الدول النامية.

وإذا كان من المسلّم به بأن ظاهرة الكراهية هي ظاهرة كونية، فإن الفارق بين مجتمع وآخر يختلف باختلاف القوانين من جهة، ومدى احترامها وتمثّلها من جهة أخرى.
وعلى الرغم من أن الأغلبية الساحقة من الدساتير تحرم الدعوة للكراهية، وخاصة في البلدان المتقدمة، إلا أنه لا يمكن تبرئتها منها وإلصاقها بدول العالم الثالث وحده، فالكراهية مثل الإرهاب لا وطن لها ولا دين ولا قومية ولا منطقة جغرافية محددة ولا مجتمع ولا شعب محددين، إذ يمكن أن يفقس بيضها كلما وجد تربة صالحة لذلك، وتكون البيئة خصبة أكثر بغياب التسامح والاعتراف بالآخر وعدم الإقرار بالتعددية والتنوع وبالحقوق والحريات،
لاسيما في البلدان التي تنتشر فيها الثقافة الواحدية الإطلاقية الاستئصالية، خاصة أن التعصب الديني ووليده التطرف يلعب دوراً كبيراً في هذه المجتمعات التي تتغذى منه ثقافة الكراهية المنتجة لثقافة العنف والإرهاب بانتقال ذلك من التنظير والتفكير إلى الفعل والتكفير، وفي البلدان المتنفذة فإن نزعات التسيد والاستعلاء من جهة ومحاولات الهيمنة والاستتباع من جهة أخرى تولد ردود فعل تتراكم مع مرور الأيام.

إن مبادئ التسامح قد استقرت شكلياً كمنظومة قانونية واجتماعية، ولكنها شهدت خلال العقود الثلاثة الماضية نزعات ارتدادية وتراجعات خطيرة على هذا الصعيد، لاسيما بعد أحداث أيلول عام 2000 تجسدت في قوانين وأنظمة وممارسات جرى تبريرها بالإرهاب الذي ضرب العديد ممن الدول الغربية،
وبالهجرة المتعاظمة من دول الجنوب الفقير إلى دول الشمال الغني، لاسيما بعد عام 2016 الذي شهد هجرات كبيرة من البلدان النامية، وخاصة العربية إلى أوربا والغرب عامة،
ما أدى إلى انكماش هذه المجتمعات وتراجع بعض النخب في ظل صعود التيارات اليمينية المتطرفة التي تدفع إلى كراهية الغير، والتي تترافق أيضاً مع الادعاء بالأفضلية والزعم باحتكار الحقيقة والتفوق.

على أساس هذا المنطق الاستعلائي التمييزي، أطلق ترامب برنامجه الانتخابي بحجة مكافحة الإرهاب، فضلاً عن تصريحاته لبناء جدار حدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك ومطالبتها بدفع تكاليفه.

لاشك في أن مثل هذه الإجراءات ستؤدي إلى انتعاش ثقافة الكراهية، ما يرفع منسوب التعصب ووليده التطرف والعنف والإرهاب، فالشعور بعدم وجود عدالة في نظام العلاقات الدولية في ظل الهيمنة والمعايير المزدوجة ضد بلدان العالم الثالث يقود إلى ردود أفعال مختلفة، فكيف إذا جرى نهب ثروات هذه الدول واستلاب إرادتها وكرامتها؟

ويقود أيضاً إلى تجييش مشاعر الكراهية ضد الآخر، وهذا ما تستغله الجماعات التكفيرية والإرهابية، وإن كانت ليست بحاجة إلى مبرر، لأنها بالأساس تقوم على مبادئ التفكير والإلغاء والاستئصال للآخر،
حتى وإن كان مسلماً، فما بالك بأتباع الولايات الأخرى؟ ألم تفرض داعش على المسيحيين التأسلم أو دفع الجزية أو الرحيل عن بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر؟ إضافة إلى الإيزيديين الذين تعرضوا لأعمال الاستباحة وسبي النساء وبيعهن؟!

باختصار الدعوة إلى الكراهية لن تجلب معها إلا الكراهية ما يشجع التطرف والإرهاب والعنف!

 

العدد 1105 - 01/5/2024