في الذكرى 17 لعيد المقاومة والتحرير.. المجد ينحني على أعتاب بيروت

بقلم: إيهاب القسطاوي*

(يا رجال ونساء لبنان من كل الطوائف والمناطق والاتجاهات، أيها اللبنانيون الحريصون على لبنان بلداً عربياً سيداً مستقلاً، إلى السـلاح تنظيماً للمقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال وتحريراً لأرض لبنان من رجسه على امتداد هذه الأرض من أقصى الوطن الى أقصاه، أيها اللبنانيون، إن واجب الدفـاع عن الوطن هو أقـدس واجب،
إن شرف القتال ضد المحتل هو الشرف الحقيقي الذي ينبغي لكل وطنيٍّ أن يفاخر به، فلتنتظم صفوف الوطنيين اللبنانيين كـافة وبغض النظر عن انتماءاتهم السـابقة وعن الاختلافـات الإيديولوجية والطائفية والطبقية، في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي،  كسراً للقيد الذي تحاول أن تفرضه اليوم أمريكا وإسرائيل على عنق شعبنا الحر ورفعاً لراية التحرر الحقيقي لشعبنا العظيم)
،
كان ذلك مقتطفاً من نص البيان الذي ألقاه جورج حاوي ومحسن إبراهيم يوم السادس عشر من أيلول عام 1982،
وهو البيان الذي وحد كل اللبنانيين، وذلك بعد أكثر من مئـة وأربعة أيام من الاجتياح الصهيوني للأراضي اللبنانية، للأخذ بالثأر واستعادة الأرض من الغاصب الصهيوني، في ملحمة خالدة سطرها أبطال جبهة المقاومة اللبنانية  البواسل بدمائهم وأرواحهم.

تحمل الذكرى الـ 17 التي تحل علينا اليوم أهمية كبرى،
إذ تأتي هذه الذكرى المجيدة في ظل ظروف ومؤامرات كبيرة، تحاك ضد لبنان وعموم المنطقة، وسط حرف الأنظار عن الصراع الأساسي مع العدو الصهيوني، بصناعة عدو آخر، وذلك يصب في صالح الإمبريالية الأمريكية،
والسعي لفرض حل للقضية الفلسطينية يهدر دماء الشهداء الذين قدمهم لبنان لصالح القضية الفلسطينية، لصالح إمبراطورية الشر والكيان الصهيوني، وسط  استعداد دكاكين الخليج للتطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، لكنني على ثقة أكيدة بأن هذه المؤامرات سيكون مصيرها الفشل، بسبب صمود الشعب اللبناني الأبي، ومواصلة التصدي لمخططات تصفية القضية الفلسطينية.

إن خطورة اللحظة الآنية تتمثل في صعود الطائفية في المنطقة بشكل خطير وربما غير مسبوق منذ زمن طويل، ويرجع ذلك من جهة إلى دور الإمبريالية في تأجيج حدة الانقسام الطائفي، والصراع بين القوى الإقليمية، الذي يتخذ بعداً مذهبياً واضحاً، ودور حكام دكاكين النفط في الترويج لهذا المناخ الانقسامي الطائفي، بهدف توجيه اهتمام الجماهير إلى مخاطر وهمية بدلاً من الانتباه إلى المأساة الحقيقية التي تواجهها هذه الشعوب في ظل أنظمة الحكم الفاسدة والمستبدة.

ويعتبر الاحتفال بمرور 17 عاماً على عيد المقاومة والتحرير إصراراً من شعب لبنان على أن تبقى هذه الانتصارات حية ونابضة أبد الدهر في وجدان العالم لأنها كشفت للعالم كله من خلال ملحمة نضالية خالدة قدرة اللبنانيين  على إنجاز عمل بطولي غير كثيراً في مفاهيم الكرامة والنضال، وصحح موازين القوى،
في مسيرة طويلة من التضحيات، استمرت على مدى 17 عاماً، قدمت خلالها جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية نحو 187 شهيداً (إضافة الى 9 شهداء سقطوا في عدوان تموز 2006، أثناء تصديهم لقوات الاحتلال)، 1200 جريح، 2000 معتقل، 1113 عملية نوعية، 5000 مهمة، 7000 مقاتل،
أثمرت دماؤهم أول انتصار على العدو الصهيوني في تاريخ الصراع معه، كبّدت المحتل ما بين السنوات اثنين وثمانين والتسعين من القرن الماضي، حسب اعترافاته ثلاثمئة وتسعين قتيلاً، ومئة وستين جريحاً، وأربعاً وعشرين آلية، زد على ذلك خسائر العملاء.

لقد قدمت (جمول) لحرية شعبها واستقلاله ليعيش عزيزاً، كريماً، مستقلاً وحرّاً في وطنه مئة وسبعة وثمانين شهيداً، وأجبرت العدو الصهيوني على الانسحاب ذليلاً بلا قيد ولا شرط، من كل البلدات والقرى التي كان يحتلها، ويكفي الشيوعيين فخراً العديد من العمليات البطولية المميزة التي حملت توقيع (المعلم) كمال البقاعي ورفاقه، والتي استهدفت ضباطاً كباراً في صفوف العدو الصهيوني بمزارع شبعا،..

إنها بيروت قدمت لحمها من أجل غسل عارنا جميعاً، لا أستثني أحداً.. المجد لمن حمل راية (تحرير الأرض والانسان)، المجد لمن مارسوا  (الكرامة) في واقع الخنوع والعهر على ارض الواقع باللحم الحي والأذرع المشرعة والجباه الحرة، المجد لمن لم ترهن نضالاتهم لأي جهة داخلية أو خارجية بذريعة الحصول على الدعم السياسي أو العسكري أو المالي،
هؤلاء المناضلين الحقيقيين، الذين خاضوا غمار المواجهات ضد أعتى قوى الاحتلال وقدموا اعظم التضحيات من أجل حرية لبنان العظيم وغسلوا عارنا جميعاً، نعم ولن أستثني أحداً، من أجل مستقبل واعد ينعم فيه مجتمعهم بالحرية والكرامة والتقدم والازدهار،
وليس في سبيل مجد زائف أو ولاية أو ثروات، وكذلك ليس لقاء أجر مادي موعود أو معنوي موهوم، ولهذا استحقوا عن جدارة أن نطلق عليهم (مدرسة) النضال والتضحية والإيثار، فقامات الحزب الشيوعي اللبناني هي قامات الشموخ، التي تطاول عنان السماء وأقدامها مزروعة في أرض النضال، تحية إلى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول)، إلى ساحات بيروت الحمراء رمز المقاومة وعنوان الصمود في عيد المقاومة والتحرير..

أتقدم بكل التهاني للرفاق في الحزب الشيوعي اللبناني، في بيروت والتي أجبرت الاحتلال الصهيوني على الانسحاب دون قيد أو شرط، (جمول) التي أجبرت آليات الاحتلال على تسيير دوريات بمكبرات صوت تنادي: (يا أهل بيروت.. لا تطلقوا النار علينا، نحن منسحبون)،
تحية للرفاق الشهداء وللرفاق المصابين والأسرى وأسرهم جميعاً، وعلى الرفاق في كل الدول استخلاص الدرس الذي أعطته بيروت لكل برجوازيي وتحريفيي ومتصهيني العالم.

* موقع الحزب الشيوعي اللبناني

العدد 1105 - 01/5/2024