اللاذقية.. ذات الحيتان والقروش والذباب

هي اللاذقية.. أجمل مدينة سورية, وفي وجدان كل سوري وذاكرته هي اللاذقية ذات البحر والشواطئ الساحرة والطبيعة الجبلية الخلابة, هي اللاذقية ذات الرائحة الندية المضمخة بزهر الليمون والزيتون والورود البرية.

وقد أضفى عليها لباس الشهادة التي زيّنها به أبناؤها المخلصون مزيداً من السحر الذي عشق حاضرها بماضيها، فأضحت أسطورة من أساطير الشرق.. والحديث هنا عن أبنائها، من قدّموا الدماء، فتلقّاها ترابها وحفظ تلك الدماء في أعماقه كما يحفظ القلب ذكرى أحبائه.

ولكن، مَن غيّر اللاذقية ذات الرائحة العطرية البحرية الوردية في آن معاً، فأحالها إلى ذات الحيتان والقروش والذباب؟ مَن حوّل تلك المدينة الوادعة إلى مدينة تشابه أخطر مدن العالم،
حتى بات سكانها يقولون عن مدينتهم إنها مدينة شيكاغو, وشيكاغو هي مدينة أمريكية تسجل فيها أعلى نسبة جريمة في العالم على الإطلاق. من المسؤول عن كل ذاك التشوه الذي حصل ومازال يحصل حتى هذه اللحظة، فالخطف والقتل لأسباب شخصية والاستيقاظ على جريمة والنوم على جريمة أخرى.. حتى بات مألوفاً أن ترى هنا او هناك جثة في أحد طرقات اللاذقية قد قُتل صاحبها لأسباب تتعلق بأمر شخصي كالمال أو سواه.

هل هي فوضى السلاح التي أفرزتها هذه الحرب وسهولة توافره وبأشكال عديدة في متناول كل الأيادي بلا استثناء.. بحجة الدفاع عن النفس وحماية الحارات التي يقطنها أولئك الذين أشهروا السلاح الآن لأسباب واهية,
حتى لو كان الموضوع تافهاً, والشجار عبارة عن سوء تفاهم، كما حصل منذ شهر في نزاع في حي الفاروس في اللاذقية راح ضحيته شابان أخَوان، والسبب أن شابّاً أزعج فتاة كانت تمر في ذلك الحي وهو مارّ من جانبها،
فما كان من أحد الأخوين إلا أن فتح قنبلة ليرميها على الشاب الذي تحرّش بالفتاة، ولكن القنبلة انفجرت قبل أن يلقيها، فتسببت بموته  وأخيه الذي كان بالمصادفة إلى جانبه.

اللاذقية ذات الذباب..
فكل شخص ضحل التفكير ظن نفسه بامتلاكه سلاحاً أنه قد أضحى نسراً، ما إن يشهر ذاك السلاح حتى يشعر بشعور النسر.. الذباب يملأ اللاذقية، يراهم أهالي اللاذقية في كل مكان يلبسون الثياب المموهة ويضعون السلاح على خواصرهم ويتقصدون إبرازه ظنّاً منهم أنهم سيخيفون المارة..
والمشكلة الكبرى أنه ما إن تحصل شرارة بسيطة من أذى أو إشكال عادي، قد يكون نظرة عابرة غير مقصودة، حتى تمسك تلك الذبابة بالسلاح وتشهره فتظن نفسها نسراً..

 اللاذقية ذات القروش..

وأما عن القروش فيها فالوضع مختلف.. فهم لا يمشون في الشارع، بل يجوبون الطرقات بسيارات فخمة (مُفيّمة).. يراهم سكان اللاذقية كثيراً ويخافون منهم، فالويل الويل لمن يجرؤ فيحاول تجاوزهم أو الاعتراض على مسيرهم حتى لو كان ضابط شرطة ينفذ تعاليم المرور،
كما حصل منذ فترة على دوار هارون، فقد خالف ضابط ينفذ تعاليم القانون التي أوصت بمخالفة كل من يضع (الفيميه) على سيارته، فما كان من القروش الراكبين تلك السيارة المفيّمة إلا النزول وتهديد الضابط، وعندما لم يستجب قاموا بإطلاق النار عشوائياً، فأصيب ذاك الضابط وهرع الناس إلى بيوتهم خائفين مذعورين!!!.

قروش أخرى من عائلات كبيرة في اللاذقية تشاجرت بالأسلحة والقنابل لسبب واهٍ، وأدى ذاك الشجار إلى مقتل شاب في السادسة عشرة من عمره وحيد لأهله، كان بالمصادفة على الشاطئ أثناء حصول الشجار.. كما أدى أيضا إلى إصابة العديد من الذين صادف وجودهم أثناء تنازع القروش..
والضحية دوماً من الفقراء الذين لا سلاح يحميهم ولا قانون يدافع عنهم بعد اجتياح القروش لشواطئهم.

اللاذقية ذات الحيتان..
حيتان  تبلع كل ما يطوله فمها المفتوح من ماء وسمك ولؤلؤ وكل ما يحويه البحر، لهم مع سكان اللاذقية قصص أخرى.. فهم حيتان يعرفهم كل الناس ومشهورون منذ زمن بسطوة المال والسلاح والنفوذ..
وقد أصبح لهم عصابات مختصة بقطع الطرقات وخاصة الطرقات النائية عن مركز المدينة والتي تربط محافظة بأخرى.. يقطعون الطريق على كل من يركب سيارة مهما كان نوعها، يخطفون السائق ينهبون سيارته وما تحويه جيوبه،
ثم يتصلون بأهله ويطلبون فدية لا تقل عن عشرين مليون ليرة سورية وربما أكثر، حسب الوضع المادي للمخطوف.. ثم يحرَّر المخطوف بعد أن ابتلع ذاك الحوت الفدية والسيارة وكل ما يطوله فمه!!

بات الناس في اللاذقية يخافون الخروج ليلاً.. وليس خوفهم من الإرهابيين كما في السنوات الأولى من الأزمة، بل من فئة خانت الوطن فأشهرت سلاحها في كل مكان وأرهبت الآمنين..

نعم، إنها خيانة
فمن يُكمل مع الإرهابي سلسلة القتل والترويع فهو خائن حتماً.
ومن ترك ساحات القتال للجندي السوري الشريف يواجه قدره مع التكفيريين، في الوقت الذي تهرّب هو من الخدمة ومؤازرة الجندي السوري ,
والأبشع أنه قد حوّل وجهة سلاحه نحو أهله وجيرانه والمساكين في الأرض, فهو خائن لحرمة هذه الأرض..

ضجيج صاخب في اللاذقية..
أصوات الناس التي أرهبها طنين الذباب وهمجية القروش وضخامة الحيتان تناشد كل شريف متنفذ في هذا البلد،
وهم كثر، أن يكبح جماح أولئك الذين امتهنوا إبراز العضلات للأذى وترويع الآمنين.. تناشد أيضاً أصحاب القرار في الجهات المعنية أن يخلّصوهم من أمثالهم كي تعود مدينتهم آمنة..
ولا مانع من إجبارهم، بقوّة الدولة، على الالتحاق بالجبهات، لنرى وقتذاك رجولتهم إن كانوا رجالاً.
الرجل في الجبهات وليس بين المدنيين يروّعهم ويخيفهم ويمنعهم من الخروج لممارسة حياتهم البائسة بفعل الحرب وفعل أشباه الرجال.. هكذا يقول سكان اللاذقية.                                      

العدد 1107 - 22/5/2024