دراما تحت الصفر (1) : أزمة عائلية بشوق للأوركيديا

ارتقت الدراما السورية خلال سنوات ما قبل الحرب التي أطلق عليها مصطلح أزمة، وغطت بنجاحها الجمر الذي اتقد تحت الرماد ليفجر البارود حرباً نعيش آلامها حتى اليوم, إذ تعتبر الدراما إضافة إلى الرياضة والسياحة مظاهر تعبر عن الرقي والتطور بشكلها الظاهري،
لما تتمتع به من رونق اجتماعي جميل يأخذ المواطن إلى عالم الرفاهية ليغطي على العيوب والفشل الحاصل خلف الكواليس لمنهجية الحكومات وسياستها في أي بلد كان, لينتقل فيروس الأزمة إلى درامانا السورية التي هوت سنة بعد سنة،
فوصلت خلال هذا الموسم إلى تحت الصفر بدرجات من حيث الكم والنوع، فقد كان الإنتاج هذا العام قليلاً لا يقارن بالأعوام الماضية من حيث الكم،
وهناك مسلسلات تعرض من إنتاج السنوات الماضية مثل (لست جارية) و (خاتون- الجزء الثاني) وغيرهما، كما أن هناك أعمالاً حتى اليوم لم تعرض وهي منتجة من سنوات مثل (العبور) الذي لم يلق تسويقاً حتى اليوم، وهو من تأليف وإخراج عبير أسبر ومسلسل (كعب عالي) وغيرهما،
كما حال خروج أهم أعمال هذا العام عن السباق الرمضاني مثل (ترجمان الأشواق) لمحمد عبد العزيز، (سايكو) لأمل عرفة، (شبابيك) لسامر برقاوي، و(فوضى) لحسن سامي يوسف ونجيب نصير.

 

نصوص هشة الحوار تفتقر إلى القص والفكرة

بات باستطاعتنا الحكم على الموسم الرمضاني للدراما بعد متابعة 19 حلقة منها من خلال النصوص المكتوبة التي ظهر ضعفها في معظم الأعمال لهذا العام، فأسلوب القص ممل للمشاهد وكذلك ضعف الحوار وهشاشته وتكراره في أغلب الأحيان جعلت منها مسخرة على صفحات التواصل الاجتماعي،
وذهب بعضها إلى التحليق لفضاءات أخرى لا تشبه مجتمعاتنا, كما أتى ضعف الحوارات في النصوص ليعبر عن ضحالة ثقافة الكاتب وعدم قدرته على صناعة الحدث والسرد لخلق مشاهد متوازنة حوارياً وقفلات مشوقة تشد المتفرج لأحداث أخرى.

أعمال من هذا الموسم

من خلال متابعتنا لعدة أعمال هذا الموسم منها ما كانت كلفة إنتاجه عالية، ومنها ما تحدث الإعلام عنه منذ بداية تصويره ترويجاً له، ولكن سرعان ما تهاوى بعضها بعد عدة حلقات، ومنها ما اعتبر بأنه نص خفيف مكتوب للأطفال وغيره الكثير. وقد اخترنا في هذا العدد ثلاثة مسلسلات للحديث عنها.

أزمة عائلية

خلال متابعة مسلسل (أزمة عائلية) المصنف على أنه كوميدي لم نشعر بالحس الكوميدي الذي عمل عليه هشام شربتجي في مسلسلاته السابقة التي لاقت نجاحاً كبيراً ومازالت تعرض حتى اليوم..
والذي تميزت به الدراما السورية، فنحن أمام سيناريو هش البناء جداً وهذا ليس غريباً فكاتب النص كان له تجربة غير موفقة سابقاً في مسلسل (خرزة زرقاء)..
فالحوارات هشة جداً بعيدة عن العمق الذي تطرحه الكوميديا كما زاد التكرار فيها أيضاً وهو يصل أحياناً إلى درجة السذاجة والسخافة ببعض الحوارات..
والذي أشعر المتفرج بأنه أمام عمل للأطفال لبعده عن العمق الفكري للكوميديا, وإذا عدنا للإخراج فهو جيد، وليس غريباً على هشام شربتجي الذي يعتبر من مؤسسي الدراما الكوميدية في سورية.
جمالية الإخراج إضافة إلى ضعف النص وهشاشة بنائه في الكثير من الأماكن جاء خيار الممثلين خاطئاً جداً.. رشيد عساف لم يبدع بإداء شخصيته كما تعودنا عليه، وكذلك رنا شميس، فهم بعيدون عن القالب الكوميدي وهذا كان ظلماً لهم.
أما بالنسبة للوجوه الجديدة فلم تتقمص شخصياتها بالشكل الصحيح والجيد.. لنرى في بعض الحلقات أن الضيوف أبدعوا في أداء شخصياتهم على حساب الشخصيات الرئيسية أماني والي وحسين عباس وغيرهم.

أوركيديا

عاد بنا عدنان العودة كاتب مسلسل (أوركيديا) إلى روايات جورج آر. آر مارتن التي تحمل عنواناً رئيسياً أغنية الجليد والنار والتي تتألف من 5 روايات، أولها صراع العروش، وثانيها قتال الملوك، وثالثها عاصفة السيوف، ورابعها وليمة الغربان، وخامسها الرقص مع التنانين.
وقد أنتجت شركة HBOالعالمية مسلسلاً من 6 مواسم يحمل اسم صراع العروش Game of Thrones الذي كتب حلقاته ديفيد بينيوف ودانيال وايز وأخرجه ديفيد بينيوف، وي. بي. ويس..
وبالعودة لأوركيديا حاتم علي المقتبس عن الرواية الأولى ومن خلال متابعتنا لحلقاته، يمكن القول بأن الكاتب لم يكن موفقاً بالحوار الممتع الذي يشعر به القارئ للرواية، وكذلك صناعة الحدث فلا نستطيع المقارنة بين إنتاج عالمي للرواية بإنتاج عربي، وقد حاول العودة صناعة شيء جديد خاص به لكنه وقع في مطب أساسيات الرواية التي نسفت كل شي جديد حاول ابتكاره، فالخطوط الرئيسية للعمل نفسها خطوط الرواية،
وهذا يعتبر الأساس في بناء السيناريو، وهذا ينفي تصريحه بأن أوركيديا الذي كتبه لا يشبه وغير مأخوذ عن رواية صراع العروش، ثم عاد وتحدث عبر صفحته بأنه بريء من النص بعد الحلقة الثامنة، وهذا النص لا يشبه النص الذي كتبه،
أما بالنسبة للإخراج فقد ركز حاتم علي كعادته على جمالية الصورة المقدمة للمشاهد بتقنيات عالية وما قدمه علي بالنسبة للحلقات الأولى جيد بالنسبة للسيناريو المكتوب.
أما بالنسبة لأداء الممثلين فلم نر جديداً بابتكار وتقمص شخصيات العمل جيداً لبعض الممثلين، فمنهم من يعيد نفسه ويكرر تجارب أخرى، كما أن الحدث بعد الحلقة الثامنة بات بارداً والحبكة ضعيفة في تشويق المتفرج وتحفيزه على متابعة ما يأتي بعد.

شوق

لم يختلف مسلسل (شوق) بطرحه عما طرح في مسلسلات أخرى انطوت تحت مسمى دراما الأزمة والحرب التي تعيشها سورية.. لكن ما ميزه احترافية الإخراج والصورة المقدمة للمشاهد وهذا مشهود به لرشا شربتجي كمخرجة لها تميزها الخاص.. كما تميز بأداء معظم الممثلين وتقمصهم للشخصيات باحترافية.. أما بالنسبة للمحور العام للنص فتميز بتسليط الضوء على النساء ومعانتهم بالحرب الحالية.. لم يقدم حازم سليمان أي معالجة درامية، ويمكن القول بأن المسلسل هو فقط للفرجة لا أكثر ولكن فرجة من نوع الوجع لما عاناه السوريين لسبع سنوات، وهذا ما دلّ عليه وأكده مشهد النهاية في الحلقة الأخيرة، فنحن حتى اليوم لا نستطيع تقديم أي حلول أو علاج لواقع الحرب ومتى تنتهي.. الحوار في العمل جيد.. كما تناول العمل قصتي حب مختلفتين بالطرح..

(شوق) عمل فرجة درامي جيد من حيث الصناعة الدرامية والحبكة الحوارية، لكنه يفتقد لأسس المعالجة التي لا يستطيع الكاتب المخرج تقديمها لهذا النوع من الدراما.

ملاحظة: عُرض مسلسل (شوق) في شهر آذار الماضي على قناة OSNالمشفرة.

 

يتبع*

العدد 1104 - 24/4/2024