الذكرى السنوية الثالثة لمجزرة ريف اللاذقية.. أين هم مخطوفوها؟

ما حصل في قرى ريف اللاذقية الشمالي، منذ ثلاث سنوات، كان انتهاكاً صارخاً للطفولة وانتهاكاً صارخاً للمرأة، وإهانة للإنسانية. لا توجد كلمة في أي لغة يمكن أن توصِّف ما جرى. إن كلمة البشاعة هي أقل كلمة يمكن أن تُقال عما حصل.

مجزرة القرى العشر في ريف اللاذقية الشمالي هي عملية إبادة جماعية قامت بها مجموعة من الميليشيات الفاشية الإسلامية ضد مزارعين بسطاء يقطنون عدداً من القرى الصغيرة في جبال الساحل السورية. وكان السلفي الكويتي شافي العجمي، الناطق الإعلامي باسم الغزوة، وأحد ممولي حركة (أحرار الشام)، قد قال في بث مرئي على قنوات المعارضة المسلحة: (إن 26 من الفصائل اختارت (أحرار الشام) لقيادة العملية من أصل 40 فصيلاً شارك في الغزوة، وأن قادة الفصائل اتفقوا على اغتصاب النساء الكافرات، ولكن بعد استبراء أرحامهن).

معظم سكان قرى ريف اللاذقية الشمالي التي تعرضت للمجزرة هم من الفلاحين، يعمل جُلّ سكانها في الزراعة الشجرية: الزيتون والتفاح، وقسم منهم في تربية الحيوان وأعمال أخرى، ولو أن الزراعة هي موردهم الاقتصادي الأول. القرى المنكوبة هي: أوبين – أنباته – بيت الشكوحي – بلوطة – استربة – أبو مكة – الحمبوشية – بارودة – برمسة – يادودة البلاطة – خراطة – كروم عرامو – كفرية – الخوارات – القليعة. تتبع هذه القرى إدارياً قضاء الحفّة– ناحية صلنفة، في منطقة جبلية ترتفع نحو ألف متر عن سطح البحر، وتشكل بمجموعها جغرافيا تقع ضمن مثلث بلدات صلنفة عرامو كفرية، وهذه الأخيرة هي الخط الأخير المحاذي لمدينة سلمى، وهي واحدة من أهم البلدات التي كانت تسيطر عليها الميليشيات الفاشية الإسلامية منذ عام 2012 قبل أن يستردها الجيش السوري هذا العام.

في فجر الأحد 4 آب 2013 انطلقت تحت مسمى (غزوة أحفاد عائشة أم المؤمنين لتحرير الساحل) من بلدة سلمى المجاورة التي كانت واقعة تحت سيطرة الميليشيات الفاشية الإسلامية، مجموعة من عناصر (تنظيم القاعدة في الشام: جبهة النصرة) ومن (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام: داعش) ومن (الجيش السوري الحر)، يقدر عددهم بنحو ألفين إلى ثلاثة آلاف مسلح. المهاجمون من جنسيات مختلفة عُرف منهم إضافة إلى سوريين، شيشان وليبيون وسعوديون وغيرهم.

 في تفاصيل هذه العملية هاجم هؤلاء المسلحون باسم (الثورة السورية) بالأسلحة الرشاشة والصواريخ في وقت واحد 17 تجمعاً سكانياً، 10 قرى وسبع مزارع. انتشر بعدئذ عناصر هذه الميليشيات داخل هذه القرى المنكوبة، وأقدموا على ذبح المدنيين شباناً ومسنين ونساء وأطفالاً وحتى ذوي العاهات والقاصرين. وأطلقت النيران بكثافة على من حاولوا الفرار، ونُفّذت إعدامات جماعية، وتدمير وإحراق للبيوت والأماكن الدينية. واقتيد وخُطف عشرات المدنيين بينهم أطفال ونساء، وجرى احتجازهم في أماكن مجهولة، إضافة إلى عدد كبير من المفقودين. لقد أبيدت أسر بكامل أفرادها، وجرى–بحسب الإحصاءات الرسمية- تهجير 2864 عائلة من هذه القرى.

أول ظهور للمخطوفين كان بعد نحو شهر في تقرير بثّته قناة (الجزيرة)، لمراسلها رضا صيام وهو مصري، ومعروف بأنه كان أحد أبرز القياديين في تنظيم القاعدة في إندونيسيا؟. أُظهر المخطوفون لاحقاً على محطة (أورينت) المقربة من تركيا مجبرين على إطلاق تصريحات مشكوك في أمرها، ثم أُظهروا على محطة الجزيرة في كانون الثاني 2013، في تقرير أظهَر 94 مخطوفاً، وهو أقل من العدد المقدر رسمياً بنحو 125 مخطوفاً. في كانون الأول 2014 نشرت بعض صفحات التواصل الاجتماعي المحسوبة على (الجيش السوري الحر) شريط فيديو تُظهر فيه عدداً من المخطوفين، بينهم امرأة تحمل طفلاً بين ذراعيها ومحاطة ببناتها، قامت بالتعريف عن نفسها: (أنا لينا، وهدون أولادي)، ويبدأ الاولاد بالتعريف عن أنفسهم: دلع، أحمد، فرح. ثم تتبع الأم بالتعريف بالطفل الصغير الذي تحمله: محمد، وتختم: اليوم 6 كانون الأول 2014.

يوم الخميس الماضي في الذكرى الثالثة للمجزرة المريعة اعتصم أهالي المخطوفين أمام مبنى محافظة اللاذقية لمطالبة السلطات الرسمية بمتابعة هذا الموضوع. للأسف لم يُبدِ مسؤولو المحافظة القدر الكافي من الاهتمام، وكان من المخزي أن يخرج عليهم شخص مسؤول قائلاً، وسط ذهول أهالي المنكوبين: (أنتم جئتم فقط لتنشروا صوركم على قنوات المعارضة: الجزيرة والعربية وأورينت)؟؟!.

العدد 1104 - 24/4/2024