عـطش في مدن البحر والينابيع والسدود

لماذا السفينة تطلب ريحاً ومن تحتها أبحر طائلة؟ وفي القفر عطشى وريح السموم بهم نازلة؟

لماذا نحيا والموت يلاحقنا ولا ندري أن الأنفاس من هول البلاء كحرقة قلب الثكلى؟ أكيما نزيد المقابر عظاماً والفضاءات بؤساً؟ ويستمتع بكل ذلك أصحاب الأموال والقلوب الجائرة؟

هذا حال سكان المدن الساحلية، لا يكفيهم نزيف الدماء في قراهم، المستمر منذ بداية الحرب، ولا يكفيهم دموع الأرامل والأمهات اللواتي اكتسين بالسواد حزناً على فلذات قلوبهن، ولا مظاهر السلاح والخطف، وصولاً الى محاربة الفلاح في موسمه، وليس انتهاءً بالفقر المدقع والإهمال المتعمد لسكان بذلوا الغالي والرخيص، فكوفئوا بالقبائح والنكران والنسيان.

أما إن كانت الساقية تمر من جانب بيتك، والبحر خلفك وأمامك، والسدود الممتلئة تراها من شرفة منزلك، وفي الوقت نفسه تعاني العطش، فهذا هو الكفر في حد ذاته، ولا أصعب من هذا الشعور إلا شعور الفقر والحاجة والذل على النفوس الأبية.

مدن البحر والسدود والينابيع لا ماء فيها، حالها كحال الثروات الطبيعية والمالية المتوفرة بغزارة والمحرومة بغزارة أيضاً، صيام دائم رغم توافر الماء والغذاء، يرافقه قيام ليل يزخر بالدعوات كي يرضى آلهة هذا العصر ويفسحوا المجال برزق شحيح، ولكنهم آلهة كفر ومال، لا رحمة في قلوبهم، وإن طلبت منهم فأنت لا تراعي الظروف ولا تهتم بما يحيط بالبلد من حروب أنهكت اقتصاده.

عطش لا مبرر له في الساحل السوري وخاصة قرى جبلة وريف اللاذقية وريف القرداحة، المياه لا تصل الى البيوت إلا كل 7 أيام، ويضطر المواطن الى شراء المياه من أصحاب الصهاريج، الذين يستغلون الحاجة، كما حصل لمواطن في ريف جبلة اشترى الماء من صهريج بمبلغ 7000 ليرة، خمسة أو سبعة أيام كي تأتي الماء في البيوت، والموسم صيف والجو خانق ورطب، والعائلة تحتاج إلى الاستحمام والغسيل حاجة طبيعية أم أن المسؤولين لا يعتبرونها حاجة طبيعية بل رفاهية ربما؟!!

الغريب في الموضوع والمستهجن أن المسؤولين في مؤسسة المياه في المناطق المذكورة، ينكرون كل تلك الشكاوى، ويوهمون المتصل أن لا أزمة مياه، وكل هذا الكلام خيال بخيال!! وإذا وجد أحد منهم يتكلم بواقعية سيلقي اللوم على عطل في المضخة الرئيسية، يستمر العطل عشرة أيام، وهذا يوحي أنه لا توجد محطات ضخ إضافية، على الرغم من اهتمام الدولة بكل ما يخص الموارد المائية، ولدى الاستقصاء تبين أن مايسمى بمحطات الضخ الاحتياطية تعمل دائماً مع المحطات الرئيسية داعمة لها، فهي بالتالي ليست احتياطية لأن عملها مجتمعاً لا يحقق التدفق المطلوب للمحافظة، وثانياً إن تعطل أي محطة من تلك المحطات يتسبب بانقطاع يتجاوز العشرة أيام، وربما أكثر، في تلك المدن والقرى العطشى.

ألم يحن الوقت لوضع خطة وميزانية كبيرة لاستثمار ماء نهر السن العذبة، التي تضيع في البحر المالح؟ وماذا عن السدود الممتلئة التي لا تجد قطراتها طريقها لتصل إلى البيوت؟

في نهاية الأمر وبالنسبة للمواطن العطشان، فإن موسم الجفاف الذي ضرب خلال الأعوام السابقة، مثله كمثل موسم العطاء هذا العام، لا فرق ملموساً لدى المواطنين.

فالجفاف ليس من رب السماء بل من كل مسؤول لا يعنيه أمر المواطن، الجفاف الإنساني يطغى على قلوبهم ويمسح في عيونهم فينالك القحط ولا شيء سواه.

لا بد من حل جذري، اخرجوا أيها العطاش وطالبوا بحل، طالبوا بكف أيادي المسؤولين في مؤسسة مياه اللاذقية، ولأن بلدنا فيها من يشابهون خيرات هذا البلد بالكرم والعطاء، لابد لأصواتكم أن تصل إلى آذانهم، فالشرفاء لن يقبلوا أن يعطش جيران البحر والينابيع.

العدد 1107 - 22/5/2024