ماذا سنأكل اليوم؟

هذا واحد من الأسئلة التي تطرح يومياً في كل بيت سوري، ولكن الإجابة عنه تختلف باختلاف الزمان والمكان، فقبل سبع سنوات كان الجواب مختلفاً تماماً عنه اليوم، فمجرد محاولة سؤال الناس عن طعامهم لهذا اليوم، سنجد تفاوتاً كبيراً، فقد تصدمك الإجابات، إما من شدة البذخ أو من حجم التقشف، وسيكون المأكل البسيط هو الأعم، في زمنٍ بات متوسط تكاليف الغذاء، في كل شهر يصل إلى مايقارب 79ألف، لأسرة مكونة من 5 أفراد، أي ما يكفي لتأمين وجبة غذائية متواضعة، لا يزينها الترف، لكن قد يلفها التقتير، فتأمين كل مكونات السلة الغذائية اللازمة لسد حاجة الفرد، من الغذاء المتنوع، لم يعد بالأمر السهل، إذ يصل حجم الإنفاق على الغذاء، إلى حوالي 97 ألف للأسرة، وهو مبلغ لا يتناسب مع دخل المواطن، الذي قد يصل إلى نصف هذا المبلغ تقريباً، ولا يترك للمواطنين حلاً إلا دفعهم قسراً للتقليل من كم حاجاتهم الغذائية الأساسية، إلى نحو النصف لصعوبة تأمين النصف الآخر، فنسبة الإنفاق على الغذاء في الشهر الواحد، تزيد عن 50% من دخل المواطن، وهو يشكّل النسبة الأكبر مقارنةً بباقي النفقات الضرورية، ولكم أن تتخيلوا ما تسببه هذه النسبة من عبء ضخم وهائل، في محاولة تأمين الحصة الغذائية اللازمة لكل فرد، وهو ما يعتبر أمراً شديد الصعوبة في الوقت الراهن.

فكثيراً ما يطرق آذاننا، حوار بين أشخاص اجتمعوا مصادفةً، في وسيلة نقل جماعي، يتشاركون به همومهم، ويصفون حجم معاناتهم، ويرسمون من خلاله معالم قسوة الحياة عليهم، يقول أحدهم: (أعمل طوال النهار في محاولة تحصيل دخل إضافي، يعينني على احتمال الغلاء المستمر، لكن مع ذلك لا أستطيع تأمين ما يكفي من المال، لتوفير الغذاء الكافي، مما يضطرني للاكتفاء أنا وزوجتي بوجبة طعام واحدة في اليوم، ونحاول أن نقتصد في المصاريف اليومية الأخرى، لكي نوفر ثمن وجبة ثانية للأطفال، فنحن بمقدورنا احتمال القليل من الجوع، أما الصغار فلا يستطيعون).

فيرد عليه الراكب الآخر بنبرة لا تخلو من أسى وإشفاق: (لا تقسُ على نفسك، فمشقّة الحياة واحدة، فأنا أعتمد كثيراً على المساعدات المقدمة من الجمعيات الخيرية، لم نذق طعم الدجاج واللحم من أشهر طويلة، لا أستطيع مجاراة ارتفاع أسعارها، لذلك ننتظر قطع اللحم التي قد تصلنا في عيد الأضحى).

فكم هو مؤسف، أن يتحول الغذاء، في بلد تكثر فيه الخيرات، إلى هم يشكل هاجساً دائماً، ومشكلة مستعصية، يصعب حلها، ويصبح غلاء أسعار المواد الغذائية وحشاً مسعوراً، لا يمكن السيطرة عليه، ويذهب ضحيته أبناء الشريحة المعدمة، من الفقراء ومحدودي الدخل، تلك الفئة التي تتوسع باستمرار، وقد ضعفت قدرتهم على الاحتمال، فقد كانوا يستعيضون عن اللحم عند ارتفاع سعره، بالدجاج في ما مضى، لكن اليوم لم يعد بمقدورهم الحصول حتى على الدجاج بشكل كاف، ويحاولون تعويض البروتين الذي يحتاجه الجسم، من الحبوب والبقوليات، وباتوا يطبقون المقولة الشعبية (إن فاتك الضاني عليك بالحمصاني)، كما أصبحوا يعتمدون على الخضراوات كغذاء أساسي لهم، فغلاء الأسعار جعل من وجود اللحم أو الدجاج على المائدة، نوعاً من الترف،  وتناول الفاكهة بذخاً، وكثيراً ما يحاولون توفير ثمنها، لإحضار مادة غذائية أساسية تسد حاجتهم.

ويبقى السؤال الذي لابد منه، في ظل غياب التدخل الفعال، من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك: أين هو أثر التدخل في ضبط الأسعار والحد من ارتفاعها؟ ولماذا ما زالت الحكومة تتجاهل نداءات المواطنين بإعادة الدعم للمواد الغذائية الأساسية، وأن تعمل على توفير سلل غذائية، بسعر منخفض تسد حاجاتهم، وتتناسب مع مستوى دخلهم المحدود؟ لكيلا نصل إلى يوم أسود، نسمع فيها صوت طفل صغير، يسأل أمه عن طعام، ولا يكون بمقدور الأم، إلا أن تقدم بضع كسرات خبز، ممزوجة بدموع حارقة، وغصة خانقة، يتحول معها السؤال المعتاد، من: ماذا سنأكل اليوم؟ إلى: هل سنأكل اليوم؟؟؟

العدد 1107 - 22/5/2024