نتنياهو.. والجولان السوري المحتل

لا شك في أن إسرائيل تعمل بكل قواها منذ بدء الحرب الإرهابية على سورية للاستفادة منها في المجالات الأمنية والعسكرية، فهي تقوم بمساعدة الإرهابيين من جبهة النصرة وغيرها، بمدهم بالسلاح والمعلومات والمال وبمداواة جرحاهم، وإعادتهم إلى ساحة القتال، كل هذا من أجل إضعاف الجيش السوري.

والشيء الآخر المهم أنها تحاول الآن انتزاع اعتراف وشرعنة دولية لاحتلالها للجولان، واعتباره جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل، وبالتالي توسيع عمليات التهويد والاستيطان فوق أراضي الجولان السوري المحتل.

مؤخراً وفي الذكرى الخمسين لاحتلال الجولان، قام نتنياهو بزيارة للهضبة السورية المحتلة، دعا خلالها أمام جمهور من المستوطنين اليهود في الجولان، دعا الشباب الإسرائيليين إلى الانتقال للسكن والاستيطان، والتملك في الجولان المحتل، والحصول على امتيازات حكومية عالية لقاء التموضع الاستيطاني الدائم في الجولان، ومما قاله في هذا المجال حرفياً: (هذا بيتكم وسيبقى إلى الأبد، وإذا لم نسكن نحن هنا، فسيسكن الإسلام المتطرف، وكلنا نفهم ما هي نتائج ذلك وأبعاده، لذا جئت لكي أبشركم بأن هضبة الجولان ستبقى إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية، لن ننزل أبداً من هضبة الجولان، هنا مستقبلنا وهنا أنتم توجدون، النمو بدأ يعطي ثماره، والحكومات التي أقودها تبذل جهوداً كبيراً لكي يقول الشبان بأن إسرائيل جيدة لهم).

وزاد نتنياهو من مواقفه، حين عاد وكرر دعواته لتكثيف الاستيطان اليهودي في الجولان السوري المحتل، وذلك أثناء حلقة بحث وعمل نظمتها ما تسمى وزارة تطوير النقب والجليل، إذ جدد فيها الإفصاح عن مشاريع الحكومة المستقبلية، كما أسماها، لتكثيف الاستيطان اليهودي في الجولان، والسعي للحصول على دعم سياسي من الإدارة الأمريكية الجديدة لهذا الغرض، فالمعلومات التي تسربت عن لقاءات نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيارته لفلسطين المحتلة، تؤكد أن نتنياهو طلب من دونالد ترامب الاعتراف بالوجود الإسرائيلي في هضبة الجولان السورية، والاعتراف بالضم الإسرائيلي لها، وقد صرح حينذاك بالقول: (سنبني آلاف الشقق الاستيطانية في الجولان، على أن يجري التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن البناء مستقبلاً).

إن تصريحات نتنياهو هذه وتركيزه على الشبان الإسرائيليين والسعي لدفعهم وإغوائهم للاستيطان في أراضي الجولان السوري المحتل، ليست بالأمر الجديد، فالجهود الصهيونية تتواصل منذ احتلال الهضبة السورية في عدوان حزيران عام 1967 من أجل توطيد وتكريس عملية التغيير الديمغرافي، في الجولان المحتل، وزرع المستعمرات على امتداد الهضبة السورية، في إطار مواقف إجماع كل ألوان الطيف الإسرائيلي السياسي في دولة الاحتلال، الداعية إلى التمسك بالجولان وعدم الانسحاب منه في أي مفاوضات قادمة قد تجري للتسوية على الجبهة السورية، ذلك أن الجولان المحتل تعتبره إسرائيل منطقة ذات أهمية استراتيجية استثنائية، وذات إطلالة على بحيرة طبريا، بل وشاطئها، وذات ثروات هائلة، خاصة منها المياه الوفيرة والزراعة، فضلاً عن ثرواتها الباطنية وسحر طبيعتها وجذبها للسياح.

جدير بالذكر هنا وعلى سبيل التذكير، أن الحكومة الإسرائيلية التي كان يرأسها الإرهابي مناحيم بيغن عمدت إلى إقرار قرار تقدم به المذكور، وصدر تحت مسمى (قانون الجولان)، الذي أقره الكنيست الإسرائيلي في كانون الأول من عام 1981 جرى بموجبه فرض القوانين والإدارة الإسرائيلية، والقضاء على هضبة الجولان، علماً أن الأمم المتحدة رفضت القرار الإسرائيلي هذا، وطلبت بالإبقاء على الوضعية القانونية للجولان، كأرض سورية محتلة، وأصدر مجلس الأمن الدولي قراره الشهير رقم 497 تاريخ 20 كانون الأول عام 1981، الذي أدان ورفض قرار الضم الإسرائيلي للجولان السوري المحتل، وذلك بإجماع أعضاء المجلس آنذاك، وبضمنهم الولايات المتحدة الأمريكية.

لا شك أن نتنياهو يحاول استغلال الحرب الإرهابية على سورية بإنعاش عملية الاستيطان في الجولان، وهناك تقديرات تشير إلى أن عدد المستوطنين في الجولان لا يتجاوز الآن ثلاثين ألفاً، وهو عدد يوازي سكان الجولان السوريين المتشبثين بأرضهم ووطنهم سورية، في قرى مجدل شمس وبقعاتا ومسعدة والغجر وعين قنية.

إن إسرائيل تندفع في الظروف التي تعيشها سورية منذ أكثر من ست سنوات، باتجاه انتزاع اعتراف وشرعنة دولية لاحتلالها الجولان، واعتباره جزءاً منها، وبالتالي توسيع عملية الاستيطان والتهويد فوق أراضيه، والسعي لرفع عدد المستوطنين فيه إلى 50 ألفاً.

ولعل الصور التي التقطت لنتنياهو وأعضاء حكومته، وسط المناطق الخلابة في الجولان لأكثر من مرة خلال زيارته المتكررة لها، هي رسالة لإغراء المستوطنين العازفين عن الاستيطان في الجولان لتغيير مواقفهم.

باختصار، إن الطموح الإسرائيلي لضم الجولان وانتزاع موافقة دولية عليه، جاء في هذا التوقيت الآن، في ظل الحرب الإرهابية على سورية، وحالة الترهل العربي.

وفي الآونة الأخيرة، عملت السلطات الإسرائيلية على توسيع نطاق الحفريات للوصول الأوسع إلى مياه الجولان الجوفية، وسحبها باتجاه مناطق فلسطين المحتلة عام 1948، في إطار عملية أطلق عليها (المشتل 4)، إذ تعتبر مياه الجولان واحدة من الأطماع الكبرى التي تدفع إسرائيل للاحتفاظ بالجولان.

ولكن تبقى الحقيقة قائمة وواضحة وهي أن الجولان أرض سورية محتلة، لن تستطيع إجراءات الاحتلال- مهما تعدد أشكالها- أن تنتزع هويته العربية السورية.

العدد 1105 - 01/5/2024