الفساد يقف بوجه الإصلاح الإداري

يعتبر اﻹﺼﻼح اﻹداري  من أهم عناصر اﻟﻨظﺎم اﻟﻌﺎم ﻟﻠﻤﻨظﻤﺎت الإدارﻴﺔ ويجب ﻋﻠﻰ ﻗﺎدة اﻟﻤﻨظﻤﺎت معرفة أبعاده وفهمها، لأنه اﻟوﺴط اﻟذي تعيش ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻨظﻤﺎت واﻟذي ﻴؤﺜر ﻓﻲ ﻨوع اﻟﺴﻠوك اﻟذي ﺘﺘﻔﺎﻋﻝ ﺒﻪ ﻤﻊ ﻏﻴرﻩ أو ﻤﻊ ﻋواﻤﻠﻪ، كما يعد الإصلاح الإداري ﻤن اﻟﻤواﻀﻴﻊ اﻟﻤﻬﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻴﺠب ﺘﻨﺎوﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻤﻨظﻤﺎﺘﻨﺎ الإدارﻴﺔ عندما يزداد اﻟﻔﺴﺎد ويتعاظم، إذ يصبح ﻀرورة ملحة إﻴﺠﺎد ﺤﻠوﻝ ﻤﻨﺎﺴﺒﺔ وفورية وﺒﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻛﻝ ﻓﺌﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻟﻠﺤد ﻤن اﻨﺘﺸﺎر الفساد الذي يتجلى في أوﺠﻪ ﻤﺘﻌددة، ﻤﻨﻬﺎ: الابتعاد ﻋن اﻟﻤﺴﺎر اﻟﻤﺤدد واﻨﺘﻬﺎك ﻘواﻋد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﻤﻌﺎﻴﻴره، وﻤﻨﻪ اﻟﻔﺴﺎد الإداري والاقتصادي والاجتماعي ﺴواء ﻋﻠﻰ ﻤﺴﺘوى الفرد أو المؤسسة أو المجتمع. وﻫذا ينتج عن ﻏﻴﺎب ﻤﻌﺎﻴﻴر اﻟﺴﻠوك اﻟﺘﻨظﻴﻤﻴﺔ واﻟﻘﺎﻨوﻨﻴﺔ، لذلك أصبح من الضروري ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﺤﺜﻴن أن يهتموا أكثر بنشر التوعية المعرفية والفكرية ﻟﻤﺤﺎوﻟﺔ إيقاف انتشار الفساد وتغلغله بعمق في صميم اﻟﻘطﺎﻋﺎت الإدارية.

وإذا تكلمنا عن سورية في ظل السنوات الماضية قبل الحرب وفي سنواتها السبع لوجدنا ازدياد حالة الفساد وتغلغله في كل شيء حتى في الأسرة نفسها التي تعتبر المجمع الأصغر في المجتمع، وكذلك الأمر على مستوى الفرد بسبب غياب الثقافة التنموية سواء في الإعلام أم في غيره، مما يجعلنا اليوم بأمس الحاجة إلى برنامج إصلاح إداري شامل على كل المستويات بدءاً من الفرد إلى المؤسسة والقوانين الاجتماعية، كما نحن بأمس الحاجة إلى مديرين يملكون الفكر الإداري والحنكة الإصلاحية في وضع الخطط وتنفيذها بصرامة، وتطبيق قانون صارم وجدي للخلاص من تلوث الفساد الذي أنهك مؤسساتنا المجتمعية والاقتصادية.

وفي هذا المقال سوف نضيء على الفساد وأشكاله، إذ يعتبر أهم عائق في وجه الإصلاح الإداري.

الفساد عائق للإصلاح

يعتبر اﻟﻔﺴﺎد ظﺎﻫرة ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ لأنه لا يخص مجتمعاً محدداً أو مرحلة تاريخية واحدة، وقد أثبتت الأوضاع المختلفة لبلدان العالم في كل مجالاتها تفاقم ظاهرة الفساد وازدياد حجمه بشكل كارثي  إلى درجة أصبح بها يهدد مجتمعات كثيرة بالجمود وربما بالانهيار. وهذا يعني تفشي حالة عدم الالتزام بأخلاق العمل وعدم احترامه من قبل القيادات الإدارية وموظفيها، وذلك بسبب الانحراف في الإدارة وتجاهل القوانين الناظمة، بتغليب مبدأ المنفعة الشخصية والاستفادة من المنصب والوظيفة لتحقيق الربح المالي. وهذا ما كثر في مؤسساتنا الحكومية والخدمية كافة للأسف، فقد وصل الفساد الإداري إلى مرحلة خطيرة جداً تهدد المجتمع بمختلف جوانبه، وقد قضى على كثير من الظواهر الإيجابية والجميلة في المجتمع، وهذا ما نراه في الفترات الأخيرة ونعيشه، والمثال على ذلك هو المناهج التربوية للعام الدراسي الحالي. فللفساد اﻹداري آﺜﺎرﻩ اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺠواﻨب اﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ واﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ودﻴﻨﻴﺔ وسياسية.

فمثلا من الناحية الاقتصادية هناك حالات كثيرة جداً منها قطاع الاستيراد والجمارك على المواد الغذائية والمواد الأولية التي تستخدم في الصناعة والتي أثرت بشكل كبير على المجتمع ككل من جهة وعلى الاقتصاد الوطني من جهة أخرى.

فعدم اﻟﺘوازن وعدم اﻟﺘواﻓق ﻓﻲ أﺠﻬزة اﻟدوﻟﺔ مثلاً أو ﻓﻲ ﺒﻌض اﻟﻤﻨﺸﺂت يعود للأسباب التالية:

1- وجود ﺘﻔﺎوت كبير ﻓﻲ دﺨل اﻟﻤوظﻔﻴن والحالة المعيشية لهم.

2-  ﻀﻌف ﺒﻌض اﻟﻘﻴﺎدات اﻹدارﻴﺔ وﻋدم نزاهتها.

3- ﺴوء اﺨﺘﻴﺎر اﻟﻌﺎﻤﻠﻴن واﺨﺘﻴﺎر اﻟﺴﻠطﺎت واﻟﻤﺴؤوﻟﻴﺎت وﺘوزﻴﻌﻬﺎ ﺒﺸﻛﻝ ﻋﺸواﺌﻲ.

4- ﻋدم وﻀوح اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺎت وﺴوء ﺘﻘوﻴم أداء الأفراد واﻟﻤﻨظﻤﺎت، إذ ﻴﻛون اﻟﺘﻘوﻴم ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻟواﺴطﺔ والعلاقات اﻟﺨﺎﺼﺔ ﻟﻠﻤﻘرﺒﻴن.

5- اﻨﻬﻴﺎر اﻟﻨظم القيمية للأفراد وإحلال أطر ﻤﻨﺤرﻓﺔ وﻫﺸﺔ محلها، فقد أﺼﺒﺢ اﻟﺘظﺎﻫر بالالتزام ﺒﺎﻟﻤﻌﺘﻘد واﻷﺨﻼق ﺴﻤﺔ ﻤن ﺴﻤﺎت مجتمعنا اﻟﺤﺎﻟﻲ.

هذه العوامل تؤثر على الموظف وتمنحه المبررات باعتباره أن الفساد بات حالة عادية، وهذا يعود لضعف الرقابة والتدقيق الداخلي للمؤسسات سواء الحكومية و الخاصة، وغياب المحاسبة، مما أدى إلى انتشار الفساد من قمة الهرم إلى قاعدته، وبات التغلب عليه صعباً، وهذا يشمل عامة اﻟمجتمع  ﻤن ﺒﺎﺌﻊ الخضار أو الكازية  حتى ﻋﺎﻤﻝ اﻟﻨظﺎﻓﺔ، وضعف الثقافة المجتمعية والتوعية للكثير شكل عقبة كبيرة في فهم مساوئ الفساد وآثاره الكارثية التي تهدم المجتمع. وقد أثرت حالة الحرب والفوضى وعدم الاستقرار الأمني والسياسي في سوريا خلال سنوات الحرب في إيجاد الحلول المناسبة للقضاء على الفساد الإدارين وخصوصاً مع ضعف الإمكانيات الإدارية والتنموية للحكومات المعاقبة.

أشكال الفساد

كلمة فساد يتداولها عامة الناس كمصطلح منذ القدم، فهو كان سبباً لانهيار الكثير من المجتمعات والأنظمة، ويعود ذلك لسوء استخدام السلطة. وقد أصبح الفساد من أهم القضايا التي تواجه أي مجتمع وأنظمته الإدارية الاجتماعية، السياسية والاقتصادية، وهو يأخذ أشكالاً متعددة:

الفساد السياسي، الفساد الاجتماعي، الفساد الاقتصادي، الفساد الفردي، الفساد الإداري.

ويعتبر الفساد الإداري أهم شكل للفساد لأنه يمثل المحور الأساسي في حركة الدولة، وهو ناتج عن فساد العاملين في كثير من الأحيان وهنا يطلق عليه (الفساد الفردي) الذي يتمثل بالسلوكيات المنحرفة التي يمارسها الفرد أو مجموعة من الأفراد لتحقيق مصالحهم الشخصية كالرشوة و اختلاس الأموال العامة والتزوير، واﻻﻨﺘﻔﺎع عن طرﻴق اﺴﺘﻐﻼﻝ اﻟﺴﻠطﺔ، اﻻﻨﺘﻔﺎع ﻤن الأﺸﻐﺎﻝ اﻟﻌﺎﻤﺔ، ﻤﺨﺎﻟﻔﺔ اﻟﻘواﻨﻴن واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺎت، ﻋدم وﻀﻊ اﻟرﺠﻝ اﻟﻤﻨﺎﺴب ﻓﻲ اﻟﻤﻛﺎن اﻟﻤﻨﺎﺴب، ﻀﻌف الأداء.

وتعتبر هذه جرائم يمارسها العاملون بحق الدولة وإخلالاً ﺒواﺠﺒﺎت اﻟوظﻴﻔﺔ اﻟﻌﺎﻤﺔ. وﻴﻤﻛننا ﺘﺤدﻴد أشكال اﻟﻔﺴﺎد الإداري بالتالي:

الرشوة، المحسوبيات، الاحتيال، استغلال النفوذ من قبل السياسيين أو المديرين وغيرهم للحصول على مصالحهم الشخصية.

كلمات ع الهامش

– أهم أسباب انتشار الفساد حالة الفوضى التي يمر بها أي بلد نتيجة وضع سياسي أو اقتصادي، وهذا يوفر فرصة ذهبية للفاسدين باستغلالهم ضعف أجهزة الدولة والرقابة لممارسة أعمالهم الخارجة عن القانون.

– أسباب اجتماعية بسبب عادات وقيم بالية وتقليدية قائمة على أسس الطائفة والمذهب والعشيرة.

– الجهل والتخلف بسبب انعدام المبادئ الأخلاقية والمعرفية.

– يؤثر الفساد على الناحية الاستثمارية للدولة.

– يضعف الفساد ثقة المواطن بالدولة والحكومة مما يؤدي إلى حالة عدم استقرار وفوضى.

– العمل بصدق وشفافية يحد من الفساد وانتشاره ويعمل على الإصلاح الإداري.

– على الأنظمة السياسية البحث عن الوسائل الهامة لمحاربة الفساد واتخاذ كل الإجراءات القانونية والرقابية وتنفيذها بصرامة.

العدد 1105 - 01/5/2024