الصحة.. نفقات المرتفعة لا ترحم الفقير

إن شريحة أصحاب الدخل المحدود، تتسع بسرعة، وتزداد فقراً مع الوقت، ورغم المحاولات الحكومية الخجولة لدعمهم وتحسين مستوى معيشتهم، عبر تخفيض أسعار بعض السلع، إلا أنها مازالت قاصرة، أمام احتياجات المواطنين الأساسية، التي تشمل الجانب الصحي، الذي تراجع بشكل ملحوظ، وبات مهملاً للغاية، لأسباب كثيرة أهمها غلاء أجور المعاينات الطبية، والأدوية، ولا يستطيع أحد أن يخفي حاجته إلى العناية الصحية الدائمة، ولكن من يملك الحل لإيقاف ارتفاع التكاليف الصحية؟ وهل من رقيب يضبط أجور الأطباء؟ ومن يعقلن أسعار الدواء حسب الوضع المعيشي للعائلات السورية؟!

نقيب الأطباء عمّن يدافع!

في خطوة سببت صدمة للمواطن السوري، طالب نقيب الأطباء برفع أجور المعاينات الطبية، بذريعة ارتفاع قيمة المواد المستهلكة المستخدمة، في دراسة الحالة المرضية، وعلى حد تعبيره، جاء طلب رفع أجور المعاينة، (من أجل محاسبة الذين يخالفون التسعيرة، ولكي لا يتذرع الطبيب بعد ذلك بأن التسعيرة قليلة ولا تساوي شيئاً في الظروف الراهنة)، في وقت وصلت فيه قيمة (كشفية) بعض الدكاترة، إلى ٥٠٠٠ ليرة وأكثر، حسب اختصاص الطبيب، وشهرة اسمه، ومكان عيادته، وتراوحت أجور المعاينة لباقي الأطباء من ٢٠٠٠ إلى ٣٥٠٠ ليرة كحد أدنى، هذا إن لم نحتسب المبالغ الإضافية، التي قد تظهر للمريض إذا احتاج إلى تخطيط قلب، أو فحص على جهاز الإيكو، فعندئذٍ لن يخرج المريض من عند الطبيب، إلا بعد أن يتحمل تكاليف إضافية، لاستخدام هذه الأجهزة لمعاينته وتشخيص حالته المرضية. وللأسف لا يوجد من يمنع الأطباء من طلب هذه المبالغ، ويوقف فوضى الأسعار، أو يكبح جشع بعضهم، فأغلب الأطباء يتقاضون مبالغ كبيرة لا ترحم صاحب الدخل المحدود، الذي قد ينفق أجر عمل أسبوع كامل مقابل أن يرى الطبيب ١٠دقائق فقط، وسيخرج من عنده مكبلاً بوصفة طبية، تقضي على ما بقي في جيبه.

وقد يتجاوز الأمر أحيانا الوصفة الطبية، إلى أن يصل في كثير من الأحيان، إلى طلب تحاليل طبية أو صور شعاعية، أصبحت تشكل هماً عند الكثير من المرضى، فأسعارها مرتفعة جداً، نظراً إلى أن جل المخابر ومراكز التصوير تابعة للقطاع الخاص، ولا يوجد حل لدى المواطن المريض، سوى دفع تكاليف هذه الصور التي تتنوع أسعارها حسب نوع الصورة، والتي قد تصل إلى ٣٠ ألف ليرة، في حالة الرنين المغناطيسي، أو التوجه إلى مشفى حكومي، والانتظار لأشهر مقابل ربع السعر لدى القطاع الخاص، وذلك بسبب نقص في الأجهزة المتوفرة في المشافي الحكومية، أو لأنها تتعطل بشكل مستمر، ومفاجئ، وكم سيكون المريض سعيد الحظ، إن قابل أحد العاملين في المشفى، وقبل أن يأخذ مبلغاً مالياً معيناً، مقابل أن يجعل اسم المريض على رأس قائمة المستفيدين من الجهاز، ويوفر عليه انتظار قرابة شهر وأكثر.

بين المريض والعلاج لا يقف سوى سعر الدواء!

شهدت السنوات السبع للأزمة، قفزات متعددة لأسعار الأدوية، وفي كل مرة يقف المواطن فيها مكتوف اليدين، يشتكي ولا يجد من يستمع إليه، والمبرر الوحيد، أن المواد الأولية للصناعة الدوائية أصبحت غالية.

والوصفات الطبية، أصبحت تكلف على الأقل ١٠٠٠ ليرة مقابل دواء مسكّن للآلام ومضاد حيوي، وقد تتعدى غالباً ٨٠٠٠ ليرة للعلاج من بعض الأمراض الأخرى، فكيف هو حال من يعاني من مرض مزمن، ويحتاج إلى الدواء دائماً ليتعايش مع مرضه، وجميعنا يعلم كم أن أسعار أدوية الأمراض المزمنة مرتفعة السعر، وكثيراً ما نسمع عن مرضى تطلب الدواء المحلي، عوضاً عن الأجنبي، لرخص سعره مقارنةً بالمستورد، ومنهم من بات لا يقصد الطبيب، لتوفير قيمة (الكشفية)، ويكتفي بسؤال الصيدلي عن دواء مناسب، وكيف أن الكثير من المرضى، صاروا يلجؤون إلى الطب البديل، والعلاج بالأعشاب، لتوفير ثمن الوصفات الطبية، أو التوجه إلى المستوصفات الصحية الحكومية، التي لا يشمل كل الاختصاصات، ولا يغطي جميع حاجات المواطن الصحية، فضلاً عن التفاوت بين المراكز، المتمثل بحداثة المكان، والأجهزة وكفاءة الكوادر الموجودة فيه،…. كلها محاولات لتخفيف عبء التكاليف الصحية المتزايدة.

التأمين الصحي القاصر

علق الكثيرون آمالهم على التأمين الصحي، وتنبؤوا بأنه سيحمل في طياته بعض الحلول، لرفع مستوى الرعاية الصحية، إلا أنه على مر السنوات لم يثبت سوى قصوره، وفشله وعدم شموليته، وشكاوى كثيرة من قبل أغلب المتعاقدين مع شركاته.

بدايةً إن أغلب المستفيدين من التأمين هم العاملين بالقطاع العام، وبعض الشركات الخاصة، كما أنها لا تشمل أسر النساء العاملات، فضلاً عن المشكلات التي تواجههم أحياناً في عدم معرفة أسماء الأطباء، والمشافي والمخابر، ومراكز التصوير الشعاعي والصيدليات المتعاقدة، مع شركة التأمين، عوضاً عن أن بعض الأطباء من المتعاقدين مع التأمين، يرفضون التعامل مع المرضى المشمولين بنظام التأمين، والكثير من الصيادلة، يمتنعون عن صرف نشرة طبية تحتوي على أدوية غالية الثمن، أو يتذرعون بعدم توفرها.

ويبقى المواطن العادي الذي لا يملك تأميناً يساعده، يأمل أن يأتي يوم ويشمله التأمين الصحي الحكومي، فهو لا يملك مالاً يغطي نفقات علاجه، ولا يستطيع منع المرض من اجتياح جسده، ولم يبق أي سبيل أمامه سوى المشافي الحكومية المضغوطة، والطب البديل غير المضمونة نتائجه، والوقوف أمام أبواب الجمعيات الخيرية، التي تقدم بعض الأدوية المجانية.

برأيي يجب أن نعمل على وضع ضوابط تسيطر على ارتفاع أسعار دواء، وفرض تسعيرة محددة لأجور الأطباء، بحيث تنصف المرضى وتقف إلى جانبهم، وألا يكون المستفيد الوحيد من التسعير هم الأطباء لترضي جيوب بعضهم، على حساب المواطن، وأن تحاول الحكومة مجدداً بناء الثقة بين المواطن، والمستوصفات الطبية، عبر تحسينها، وفتح كل الاختصاصات الضرورية بها، ومدها بالتجهيزات الضرورية التي يحتاجها المرضى، لكيلا يقتصر دورها على إعطاء اللقاحات للأطفال فقط.

إضافة إلى رفع سوية المشافي الحكومية، التي باتت تتحمل أعداداً من المرضى يفوق طاقاتها، وخصوصاً على صعيد أجهزة التخطيط، والتصوير الشعاعي والرنين المغناطيسي، التي تحولت لتكون الملاذ الوحيد تفادياً للأسعار الملتهبة في القطاع الخاص، كل هذا من أجل رفع مستوى الصحة في البلاد، بعد أن تراجع كثيراً في ظل أزمة، تركت المواطن أمام خيار واحد، يجب عليه اختياره وهو تفضيل اللقمة ليسد بها جوع أسرته، عوضاً عن دواء يشفي به مرضاً ينهش جسده.

العدد 1107 - 22/5/2024