«تحت وطأة قذائف الهاون»

لم تعد تصلني رسائل بالبريد العادي منذ أكثر من عشر سنين.. ومرة حاولت السؤال عن شراء طابع بريدي، فلم أجده إلا في مركز البريد، فكرت أن ذلك يعني أنه لم يعد لرسائل البريد ذاك الأثر الذي كانت تتركه في النفوس أيام زمان.. فماذا يكتب بعضنا لبعض اليوم؟ وأي مشاعر ينقلها الورق؟ وإذا كان ثمة مشاعر باقية فيكفي اتصال هاتفي والعتب مرفوع.

وسألت: هل نحن أمام قطيعة إنسانية قادمة؟!

ماذا لو اختفت رسائل التواصل الأخرى بيننا عندما نزهق من الإيميلات والتشات وصفحات الفيس بوك والواتس أب؟ ماذا لو انتهت تلويحة اليد والمصافحة والغمزة، وعبارة دير بالك على حالك حبيبي؟!

هذا يعني أننا أمام الفجيعة!

قد لاتصدقون ذلك.. هي حالة واقعية لدرجة الخيال، عندها يصبح الإنسان بلا أحاسيس، أو على الأقل  تتجمد الأحاسيس في روحه.. فيصبح على عتبة اللامبالاة وينخفض عنده رد الفعل إلى حده الأقصى!

ذلك ما شاهدته على خشبة مسرح القباني في مونودراما (ليلي داخلي) لسامر إسماعيل.. فقد تبلدت مشاعر الرجل إلى درجة الصقيع، واشتعلت هواجس الأنثى إلى درجة التفجر والصراخ، فإذا نحن أمام محاكاة اجتماعية تمد يدها نحو الثقافي والسياسي والاقتصادي والأخلاقي والتربوي.

ببساطة كان الجمهور متهماً!

المثقف متهم والفنان والسياسي وبائع الخضار والغاز.. الرمز والواقع.. وحتى العامة.. كلهم متهمون، وكانت نجمة الصبح هي سورية في روعة الغناء الأبدي لروحها، عندما تعالى الغناء على الخشبة يكسر حدة المأساة باسم سورية العظيمة التي نحب!

يا عيني على سورية وهي تغني!

أقول لكم صراحة..

كان المسرح خالياً.. لأنه لا أحد يريد أن يشاهد نفسه.. أو ربما لأن المسرح لايستطيع نقل صورة حياتنا كما نريدها.. أو ربما لأن المسرح كان كذاباً وبعيداً عن الناس.. تعالى على الناس فابتعد الناس عنه.

كان الصمت مطبقاً في الصالة، إلا من الممثلة الوحيدة القديرة التي تصرخ في وجه الممثل الوحيد المتبلد النموذج.

وخلال ذلك كانت أصوات القذائف التي تهاوت على مبنى الإذاعة والتلفزيون والمارة القريبين من ساحة الأمويين في تلك اللحظة، تصل إلى الصالة، وكأنها مؤثرات صوتية أضافها المخرج على المسرحية!

لذلك قررتُ أن أكتب هذه الزاوية في اليوم التالي.. وعندما كنت أكتبها صباحاً تهاوت قذائف الهاون من جديد على ساحة الأمويين.. كان أمامي احتمالان: الأول هو أن أخاف وأرمي كل هذه التصورات في سلة الحاسوب، والثاني أن أبتسم أمام الموت المحتمل والقادم!

أتعرفون أي الاحتمالين اخترت؟!

ذلك سؤال يضرب عميقاً في الوجدان، ضاع الاحتمالان سريعاً، ووجدت نفسي في حالة ذهول.

نعم في حالة ذهول.. فكم يبدو صعباً أن يحدث ذلك في سورية.

يا ألله.. كم يبدو صعباً أن تمتد اليد إلينا.. إلى الإذاعة والتلفزيون.. في شكل سكاكين الهاون.

الحمد لله على السلامة أيتها الإذاعة والتلفزيون!

العدد 1104 - 24/4/2024