تدخّل حكومي طال انتظاره

 صحيح أن تخفيض أسعار حزمة المواد التي شملتها قرارات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لا تشكل إلا حيزاً بسيطاً من تكاليف معيشة المواطن، إلا أن هذا التدخل الحكومي لاقى الاستحسان لدى جماهير الشعب السوري التي طالبت ولاتزال تطالب بزيادة حجم هذا التدخل، ليتحول إلى سياسة دائمة، تعمل على ضبط أسعار السوق التي راحت تحلق دون رقيب أو حسيب، خاصة خلال سنوات الأزمة والغزو الإرهابي.

لقد حاول بعض مهندسي الاقتصاد السوري في العقد الماضي إقناعنا بعدالة السوق وقوانين العرض والطلب، بمعزل عن الشروط الأخرى السياسية والاقتصادية لضمان حرية الأسواق، فكانت النتيجة سياسات اقتصادية لم تنصف المنتجين.. وهمشت معاناة الفئات الفقيرة والمتوسطة، وصبت المليارات في خزائن بعض الحيتان والمتحكمين بالأسواق، وتوجهاً اقتصادياً نيوليبرالياً يخدم مصالح الرساميل الريعية.

واستمرت هذه السياسات بعد دخول بلادنا نفق الأزمة والحصار وغزو الإرهابيين، لكن بيافطة جديدة (ظروف الحرب على سورية)، فازدادت معاناة الجماهير الشعبية، وارتفعت إلى حدود خيالية أرباح أثرياء الحرب ومقتنصي الفرص والفاسدين، رغم التضحيات التي قدمتها هذه الجماهير في مواجهة الغزو الإرهابي.

إن عودة الدولة إلى استخدام أدواتها القانونية والمالية والاقتصادية للتدخل في العملية الاقتصادية، تقتضيه لا طبيعة المرحلة التي تمر بها بلادنا فحسب، بل يفترضه أيضاً مبدأ التعددية الاقتصادية، الذي يعني عدم احتكار قيادة الأسواق من قطاع واحد فقط.

إننا ندعو الحكومة إلى مزيد من التدخل الإيجابي في الأسواق، باستخدام لا الأدوات القانونية والرقابية فحسب، بل أيضاً من خلال مساعدة القطاع العام الصناعي على تطوير مساهمته في السوق وتطوير منتجاته وطرحها في الأسواق بأسعار تتناسب مع القدرة الشرائية للفئات الفقيرة والمتوسطة، ومساعدة المنتجين في القطاع الخاص على تخفيض أسعار منتجاتهم، وذلك من خلال تأمين مستلزمات الإنتاج، وتقديم التسهيلات اللازمة لعودة مصانعهم ومشاغلهم إلى العمل، خاصة بعد مناخ الاستقرار النسبي الذي وفرته الجهود السلمية لحل أزمتنا الوطنية، والتقدم الكبير الذي يحرزه جيشنا الوطني في ملاحقة الإرهابيين، وإعادة العديد من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها إلى حضن الوطن.

لقد طال انتظارنا لتدخل حكومي فاعل، ونأمل أن تكون هذه القرارات الأخيرة هي الخطوة الأولى.

العدد 1105 - 01/5/2024