تفاصيل الحنان الأخير.. لأم سورية!

لم تنس العصافير بعد يد أمي المفتوحة كل صباح ملأى بالقمح أو القنبس أو البرّيق أو أي طعام تتجمع من أجله العصافير.. تعرفها العصافير جيداً، لأنها أم سورية، وفي سورية تهدهد الأمهات أطفالهن بالغناء، ويغفون عند الفجر وهن يغنين لنا أن نحب بلادنا أكثر، ونضحي أكثر،  وأن نحب العصافير أكثر، وأن نفتح يدنا أكثر لأن فتح اليد شيمة من شيم السوري، والأم هي من تعلم الشيم!

أمي هي أم سورية، مثل كل الأمهات الطيبات نرى صورتهن وراء التنور، وهن يخبزن، ونرى صورتهن في الحقل يجمعن القمح، أو يقطفن السنابل.

لم تنس الحمامات.. ولا (الستاتي).. همس أمي وحيرتها عندما يتجمع الضيوف.. يتزايدون.. ولا يوجد عندنا طعام ولا مال.. واليد الكريمة.. يد أمي لا تعرف إلا إكرام الضيف.. لذلك لم تشهد عليها الجدران والناس الطيبون كيف كان ينبع الخير من بين يدين طيبتين كريمتين بهيتين بنور الأمومة.. كانت تخترع طعاماً يكفي، كانت تخترع ابتسامة تليق.. كانت تنصت لآلام الناس وينصت الناس لآلامها!

إيه… يا أمي.

سأقطف نجمة من سماوات الرحمة.

فهناك في الأعالي.. مازال ثمة حب.. مازال ثمة حنان.. مازال ثمة نجمات تعرف طعم بلادنا الأزلي!

سأقطف نجمة من سماوات المحبة.. سأزرعها على قبرك.. لعلها تنبت حناناً لهذا العالم.. سأقطف نجمة من سماوات الحنان.. لعلها تحنو على الأطفال الذين شردتهم ريح الغرب في بلادي.

وعندما يعود السوسن وزهر الليمون والخبيزة والياسمين إلى شوارع دمشق الجميلة آمناً.. عندما تعود الوديان آمنة، والشوارع آمنة، والحارات آمنة، كما كانت دائماً..

عندئذ..

سأركض يا أمي إلى بيتنا القديم..

سأزرع حديقة من الأنين.. حول آلامك وهي تتهجى تفاصيل سرطان الرأس.. لعل الحديقة تزهر صبراً يقطف منه العالم.

ومثل كل مرة..

سأكتب على يدي..

مثل كل مرة، سأكتب على يدي  كلمة واحدة ..

كلمة واحدة فقط..

سأفتحها في طرقات غدت خالية في ساعات المساء..

في حارات غدت موحشة في ساعات الصباح..

سيقرؤها كل من يراها ويبكي..

لأنها كلمة تعلمنا أن نحبها جميعاً!

العدد 1104 - 24/4/2024