المسحراتي الوطني (فقدان الصوت الذي يوقظنا!)

في آخر يوم من أيام شهر رمضان المبارك، سنفتقد صوت المسحراتي، وعملياً نحن لسنا بحاجة إليه، فبإمكان كل منا أن يستخدم الجهاز الخلوي لإيقاظه، أو الهاتف العادي، أو حتى ساعة اليد، بل يمكن لمن بقي ساهراً أن يوقظ النائمين، لأن السحور كان بحدود الثالثة صباحاً!

مع ذلك، سنفتقد المسحراتي، الذي يوقظ الناس بإيقاع طبلته الصغيرة، ذاك الذي يعمل في الحارات الشعبية الضيقة، وسنفتقد طبله الكبير، ذاك المسحراتي الذي يعمل في الضواحي، وفيها البنايات العالية والمتباعدة والكثيفة السكان!

سيفتقده الصائمون وغير الصائمين، لأن المسألة تتعلق بالفكرة، والفكرة أن الرجل يصنع في ذواتنا أو أجسادنا النائمة صوت الاستيقاظ!

ولأن الاستيقاظ الآن هو مشروع وطني، ولأن المسحراتي بهذا المعنى هو (مسحراتي وطني) تجاوز الخطوط الحمر التي تفرق السوريين، وصنع مابينهم لغة أو إيقاعاً على نغمة (الطبلة)، وهي تصنع صورة أخرى في الذاكرة، غير صورة الإزعاج أو الضجيج!

في حارتنا الجديدة، نحن السوريين، نسكن متجاورين، من مختلف الطوائف والأديان والانتماءات السياسية، نسكن حارة واحدة، وأجمل مافيها أننا  جميعاً نقدم للمسحراتي مكافأته في آخر أيام رمضان دون أن نحتج أو نتذمر،  لأن بعضنا غير معني بالصيام، وربما يكون البعض الآخر غير معني بدفع مكافأة إيقاظه القسري، لأنه يفيق على رنين الجهاز الخليوي الأخاذ في الوقت الذي يريد!

(قوموا يلي نويتوا تقوموا..

(قوموا يا الله.. ياجيران!)

هي قيامة إذاً للسوري في فجر وطن جريح، جفت فيه الشفاه من الخوف والرعب والقتل والدم.. هي قيامة إذاً للسوري في فجر وطن كل قصته أن أهله أنقياء وشرفاء (كالثلج)، كما يقول جبران خليل جبران في قصيدته الرائعة عن المحبة.. فهل طحنتنا المحبة في رمضان وجعلتنا كالثلج أنقياء؟!

(قوموا)! غناها الفنان دريد لحام في لوحاته الدرامية الخالدة بالأبيض والأسود مع فرقته الصغيرة المؤلفة من الفنان الراحل ناجي جبر والفنانة صباح الجزائري، في تلك الفقرة المحتشمة أمام الشهر المبارك بعبارات تليق بابن الحارة الذي يدفع الثمن هذه الأيام نتيجة الحرب الضروس التي تشن على الوجود السوري القائم على المحبة!

في آخر يوم من شهر رمضان المبارك، سنقف جميعاً أمام مرآة الوطن، ونتفرج على صورتنا بلا (مسحراتي).. بلا تلك العبارات الأنيقة المحتشمة، التي تدعونا إلى قيامة وطن :

قوموا يللي نويتو تقوموا.. قومو يالله ياسوريين!

قوموا للمحبة.. تطحنكم.. تجعلكم.. كالثلج أنقياء..

وعلى سورية نقرأ النشيد!

العدد 1105 - 01/5/2024