ترامب يصعّد.. والسوريون مازالوا على المتاريس

برفضه التصديق على التزام إيران بالاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، وبالعقوبات التي فرضها على الحرس الثوري الإيراني، واعتباره منظمة إرهابية، وضع ترامب منطقة الشرق الأوسط من جديد على حافة الهاوية، بعد أن كان سلفه (البراغماتي) أوباما، متذرعاً بالملف الكيماوي السوري، قد سبقه إلى تهديد المنطقة قبل أعوام.

ولا يمكننا هنا الاكتفاء بالتحليل المبسط لقرار الرئيس الأمريكي باعتباره ممثلاً لمجمع عسكري- صناعي، بل نعتقد أن وراء هذا التصعيد الأمريكي محاولة جديدة لإعادة ترتيب المنطقة من جديد، وذلك بعد تهاوي المخطط القديم، المتمثل بدعم المنظمات الإرهابية لتمارس نيابة عن الإدارة الأمريكية تنفيذ هذا المخطط.

وبالطبع فإن دوراً بارزاً في القرار الأمريكي يعود إلى التحريض الذي دأب عليه الكيان الصهيوني، بمساندة اللوبي الصهيوني في الإدارة الأمريكية، وصقور الحزب الجمهوري الذين وقفوا في حينه ضد إبرام الاتفاق النووي.

لم يترك نتنياهو فرصة إلا وحاول الضغط فيها على إدارة ترامب، محذراً من تنامي القدرة الإيرانية على الردع، ومذكراً الإدارة الأمريكية بالدعم الإيراني لمحور المقاومة لأطماع الكيان الصهيوني.

الموقف الأمريكي الجديد جاء بعد تصعيد غير مسبوق ضد روسيا، لم يوفر حتى البعثات الدبلوماسية والقنصلية في الولايات المتحدة، في محاولة لعزل روسيا بعد نجاح التوغل السياسي والعسكري الروسي في المنطقة، بهدف مكافحة الإرهاب، وإيجاد السبل لإنهاء الأزمة السورية عبر الحلول السياسية.

القرار الأمريكي ضد إيران أحرج شركاء ترامب الأوربيين، فالعديد من الدول الأوربية وقعت مشاركات واتفاقيات اقتصادية وتجارية مع إيران بعد الاتفاق النووي، إضافة إلى تململ الحكومات الأوربية من بهلوانية (ترامب) وتجاهله مصالح الأوربيين.

قادة أوربا اعتبروا القرار الأمريكي، والتصعيد ضد روسيا، حماقة سياسية، وسلوكاً ضاراً، لن يجعل عقارب الساعة تعود إلى الوراء، فهيمنة قطب واحد على مصير الكوكب، وعلى سلامة الجنس البشري، أصبحت من الماضي.

أما عن انعكاسات التصعيد الأمريكي على الأزمة السورية، والأهداف الأمريكية المعلنة بمكافحة الإرهاب، فعلينا هنا العودة إلى التدمير المقصود الذي أقدمت عليه الطائرات الأمريكية والحليفة لمدينة (الرقة) والذي يعيد إلى الأذهان مآسي (هيروشيما وناغازاكي)، والاستمرار في الدعم العلني للمعارضة المسلحة (المعدلة أمريكياً)، بهدف عرقلة أي تسوية سياسية للأزمة السورية، والعودة إلى (نغمة) الأستذة.. وفرض الرأي، الذي يعني بجميع المقاييس سلب المواطنين السوريين حقهم في اختيار مستقبلهم.. وقادتهم..

أستانا 7 اليوم أمام استحقاقات نوعية تتعلق بمرحلة ما بعد القضاء على الإرهابيين، وهنا ستبرز على الأغلب تداعيات التصعيد الأمريكي.

شعبنا الصابر الذي خبر النوايا الأمريكية منذ عقود مازال واقفاً على المتاريس خلف جيشه الوطني في مكافحته للإرهاب، وحفاظه على وحدة سورية أرضاً وشعباً، ويريد من أستانا 7 التأكيد على حقه الدستوري والسياسي في اختيار مستقبله دون تدخل خارجي، ودون إملاءات وشروط.. يريد مستقبلاً سورياً ديمقراطياً.. علمانياً، معادياً للإرهاب وفكره الإقصائي، محققاً لوحدة سورية أرضاً وشعباً، سورية الوطن (الجنة) الذي يضم جميع السوريين بمختلف مكوناتهم السياسية والاجتماعية والإثنية.

 

العدد 1107 - 22/5/2024