ماهي رحلة حبّة القمح؟

بدأ هذا العام الدراسي في مدارس سورية بضجة كبيرة، أثارها معلّمون قائمون على العملية التعليمية من جهة، وآباء احتجوا على بعض النصوص والأناشيد والرسوم المقترحة على أغلفة بعض الكتب، وعبّروا عن ذلك بأنها سيئة للطفل ولها آثار سلبية على شخصيته خاصة بعد الظروف الصعبة التي مر بها خلال الأزمة.

ما هي الأسباب الّتي أدت إلى إحداث مثل هذه الضّجة الكبيرة؟! وهل الخلل في فريق التأليف وعدم خبرته الكافية في تأليف منهج وطني تربوي – تعليمي؟! أم يكمن الخلل في حاجة المنهج إلى أدوات واستراتيجيات يجري إكسابها للمعلّم والمدرسة في آن واحد، وتساعد المعلّم في إدارة الصّفّ وتنمية مهارات البحث والتفكير لدى الطفل؟!! هل طرح سياسة تربوية أمر ضروري ومهم في تطوير المناهج الوطنية بهدف بناء شخصية الطفل والشاب التعليمية ولخلق مجتمعات محلية متمكّنة؟!

تعددت التحليلات، الأمر الّذي دعا إلى ظهور بعض المبادرات الفردية والوطنية التي عملت على معالجة الخلل بأسلوبها وبحسب رؤيتها وخبرتها التعليمية، وكان نهج (رحلة حبة قمح) هو إحدى المبادرات التي اعتمدت وثيقة المعايير الوطنية المرجع الأول والأساسي في تصميمها وتأليفها، هذا الأمر الذي غاب عن بال فريق التأليف مما أدى إلى حدوث بعض الخلل في عملية تصميم الكتب المدرسية وإخراجها هذا العام.

ما هو نهج (رحلة حبة قمح)؟!!

هو برنامج تربوي – تعليمي، داعم للمناهج الوطنية في الجمهورية العربية السورية. جرى تصميمه لإكساب الطفل أدوات تمكّنه من مهارات التعلّم الذاتي، وهو البند الأول من بنود وثيقة المعايير التي كانت قد اعتمدتها وزارة التربية في تأليفها وتصميمها المناهج الوطنية؛ وذلك من خلال زرع مجموعة من القيم والعادات المفعّلة بمجموعة من الأنشطة في محطة جزيرة الكنز، عن طريق تقديم مجموعة من الألعاب والأنشطة وأوراق العمل التي اعتُمِدَ في تصميمها على آلية عمل الدماغ الكفيلة بمساعدة الطفل الذي مرَّ بموقف صعب على نسيانه وإحلال مواقف وصور إيجابية محلّه، قادرة على مساعدة الطفل في تكوين مفاهيم شخصية عن طريق التعرف إلى التراكيب أو (الجيشتالت).

ترتبط العملية التعليمة بالدماغ وآلية عمل القشرة الدماغية المنطقة المختصة بتلقي المعلومات وتحويلها إلى مهارات، بالأساليب والاستراتيجيات التي تُقدم بها، وبالرغم من ذلك يغيب عن بال الاختصاصيين الاهتمام بتطوير العملية التعليمة بطريقة تتناسب مع آلية عمل الدماغ، لذلك تصبح المعلومات والمعارف مجرد حشو دون طرح آليات لإكسابها للطفل والمعلم والأهل بطريقة تصبح عادة متجذّرة في شخصية الطفل والشاب، ومع الوقت تتحول هذه المعارف إلى مهارات.

لذلك اعتمد نهج (رحلة حبة قمح) على رؤيا أفلاطون وجان جاك روسو التي تقول بأنه يجب أن تتميّز الطفولة بأنها حياة خبرات وليست معارف، حياة مشاعر لا حجج منطقية.

والقائمون على تطوير المناهج اليوم، تحدثوا عن ضرورة وأهمية إكساب الطفل خبرات ومهارات جديدة، ولكن مازالت مناهجنا تفتقر إلى مثل

 هذا النوع من التعلّم، لذلك نحن بحاجة اليوم إلى نهج تربوي – تعليمي، هيكله التخطيطي مبني على أساس أن العمل هو محور الحركة التربوية – التعليمية، أي جعل العمل هو حجر الأساس في الحركة التربوية والتأكيد عليه من حيث هو قيمة، ومن حيث هو معرفة ومهارة، وهذا معناه الاهتمام بالربط بين الفكر والعمل باعتبارهما الجانبيين الرئيسين في الخبرة الإنسانية.

وأن يركز هذا النهج المبني على العمل، على الجانب النفسي – السيكولوجي الذي يرى في العمل حاجة طبيعية في الإنسان، إضافة إلى مراعاة اهتمامات الطفل وحاجاته.

وبذلك ومن خلال المفاهيم المطروحة في نهج (رحلة حبة قمح)، نكون قد عملنا على تحويل المشروع التربوي في وطننا سورية إلى مشروع منتج أي إلى شركة مثمرة، إذا تمكنّا من النظر إليه على أنه صناعة من الصناعات أو مشروع اقتصادي يمكن أن تُطبق عليه المفاهيم الإجرائية السائدة في تحليل العمليات الاقتصادية.

* كما عمد القائم على تصميم النهج إلى زرع عادات الذكاء العاطفي وقد تم تسميتها في (نهج رحلة حبة قمح) عادات النجاح التي تساعد في بناء الشخصية التعليمية القادرة على إكساب الطفل والشاب في آنٍ واحد مهارات التعلّم الذاتي التي تعلّمه فن الإصغاء والقدرة على التعبير عن ذاته، وتكسبه أدوات الحوار الصحيحة، وتمكنّه من اتخاذ القرار، وتعلّمه الانضباط والالتزام والتعاون.

* أن يكون الطفل ذكياً عاطفياً، هذا معناه التخلص من ثقافة الضحية وتحمل مسؤولية بناء مستقبله الخاص. إن قيم النجاح مثل: التفاؤل، المسامحة، الخدمة، الاحترام، الطاعة، …الخ، هي طرائق تفكير ورؤية العالم التي يجب أن تصبح عادات متأصلة بالطفل والشاب. وإن الخطوة الأولى التي تم اعتمادها في البرنامج نحو تطوير هذه العادات هي أن يدرك الطفل أهميتها، وبعد ذلك التدرب على الأفكار والمشاعر التي تؤدي إلى زرعها في الشخصية لتصبح عادات متأصلة.

أين نحن الآن؟!!

نحن لدينا الآن:

* العديد من الأسر التي هجرت بيوتها وسكنت في غرفة واحدة أو اتخذت من الشارع والحدائق العامة مسكناً لها، مما أدى إلى تشرد أفراد العائلة الواحدة، وتسرب العنف إلى داخل الأسرة، فالأب الذي اعتاد على العيش في الحقل لن يستطيع التأقلم بسهولة على العيش داخل غرفة ضيقة مع جميع أفراد الأسرة.

* المزيد من التكنولوجيا ووسائل الاتصال والإعلام ولكن مقدار قليل من التفاعل والحوار الحقيقي.

* مناهج جديدة ودعم نفسي كبير داخل مدارسنا من قبل المنظمات الدولية، ولكن الأطفال يهربون من المدرسة إلى الشارع ليتعاطى بعضهم الحشيشة أو ليشرب الكحول، الأمر الذي دعا عصابات الاتجار بالأشخاص إلى استغلالهم بكل الأشكال.

* المزيد من السلع في السوق ولكن دخل الأسرة ضئيل مقابل ارتفاع الأسعار الكبير والمبالغ فيه، الأمر الذي عزز بذور الغضب بين أفراد العائلة الواحدة وعمل على ترسيخ الممارسات العنيفة داخل الأسرة والمدرسة.

* وقد جرت معالجة بعض المشاكل في نهج (رحلة حبة قمح)، من خلال عدة محاور ومنها:

 خطة عمل لزرع قيم وعادات النجاح.

 استراتيجيات لتطوير المدارس ولإدارة الصف.

 استراتيجيات لتطوير أداء المعلّم.

 استراتيجيات لتطوير أداء الطفل في العمليات الحسابية وفي آلية حل المشكلات.

 خطة لمعالجة صعوبة القراءة وتطوير أداء الطفل ليصبح قارئاً سريعاً.

 أفكار في إكساب الطفل مهارات عمليات البحث حتى يصبح الطفل قادراً على وضع فرضية ومناقشتها.

 آلية لإكساب الطفل مبادئ الرسم بهدف تنمية الإبداع لديه.

 آلية إدماج العمل في التّعليم ليصبح الطفل هو المحور بطريقة فعلية.

 خطة لإدماج الأهل في العملية التعليمية.

 ألعاب تربوية – تعليمية داعمة للمناهج الوطنية في مواد اللغة العربية والرياضيات والعلوم لمرحلة التعليم الأساسي الحلقة الأولى، وذلك بهدف معالجة مشكلة الألعاب الالكترونية التي غزت بقوة مجتمعنا خلال الأزمة.

إن البرنامج موجود وجاهز بنسبة 90%، وقد بلغت العينة العشوائية التي جرى العمل عليها حوالي 1000 طفل، و1000 عائلة من الأسر المهجّرة ومن المجتمع المحلي، و50 معلّماً ومعلّمة، وبالرغم من كل التشجيع لإتمام مثل هذا العمل إلا أن نهج (رحلة حبة قمح)، ما زال بحاجة إلى جهة قادرة على تنبيه للمساعدة في نشر أفكاره داخل المدارس بهدف دعم الحركة التعليمية في سورية.

* إن مسؤولية أطفال سورية هي مسؤولية جماعية مشتركة بين أفراد من المجتمع المحلي والمؤسسات الحكومية والهيئات الأهلية والمنظمات الدولية، لذلك علينا التعاون جميعاً ودعم جميع المبادرات الفردية ليشارك الجميع في حركة بناء سورية الجديدة. 

العدد 1105 - 01/5/2024