وكلاء واشنطن يضغطون على إيران والفلسطينيين!

من الواضح إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، غاضبة على دول الاتحاد الأوربي الرئيسية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وذلك لأن هذه الدول لم تجارِ واشنطن في موقفها من الاتفاق النووي مع إيران، إذ كيف لها أن تقوم بهذه المجاراة، وهي التي كانت جزءاً من القائمة (5+1) التي خاضت مفاوضات ماراثونية شاقة ومريرة مع طهران حول كل حرف ورقم وفاصلة ونقطة في الاتفاق المذكور.

ومادامت هذه الدول لا تحتمل غضب الولايات المتحدة، فقد عمدت إلى القيام بنشاط محموم في الآونة الأخيرة، لإرضاء واشنطن أو على الأقل التقليل من غضبها، والعمل على الحيلولة دون انسحابها من الاتفاق ذاته كما يهدد ترامب ونائبه بينس صباح مساء، وتفادي فتح ملفه من جديد للتفاوض والمقايضات.

يبدو إذاً أن أوربا لجأت في إطار هذا الاسترضاء لأمريكا إلى مايلي:

– الضغط على إيران في موضوعات أخرى خارج إطار الاتفاق النووي، مثل الطلب إليها إخضاع برنامجها الصاروخي – الباليستي لقواعد وضوابط ترضي واشنطن، وتقلل أو تبدد مزاعم المخاوف الإسرائيلية وتبقي على الاتفاق بحده الأدنى.

– محاولة إقناع إيران، أو اللجوء إلى الضغط عليها، من أجل كبح جماح نفوذها الإقليمي في المنطقة، والممتد-حسب زعم أمريكا وحلفائها وعملائها – من بحر قزوين إلى الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط.

ماذا يعني هذا النشاط الأوربي المحموم؟!

يعني بالدرجة الأولى أن تدفع إيران (ثمناً إضافياً) من خارج بنود الاتفاق ونصه وروحه، كأن تقبل بالتراجع عن برنامجها الصاروخي وعن دورها الإقليمي، وتقبل بالشروط والإملاءات الأمريكية في المنطقة، هذا مع العلم بأن إيران بتوقيعها على الاتفاق النووي قد قدمت تنازلات مهمة عند التوقيع عليه، من دون أن تحصل بالمقابل على مكاسب مهمة تساوي تلك التنازلات، كل ذلك لتجنب تراجع واشنطن عن توقيعها.

لاشك بأن هذا النشاط الأوربي المحموم لاسترضاء أمريكا ينطوي على قدر كبير من الرياء والانتهازية للتقرب من واشنطن، وهذا ما أصبح بمثابة القاعدة السائدة في العلاقات الدولية، بمعنى أوضح أن تخرق دولة عظمى التزاماتها تجاه دولة أصغر وأضعف، فينصبّ جام غضب المجتمع الدولي على هذه الدولة الأصغر وتشتد الضغوط عليها بـ(الوكالة)، بدلاً من توجه هذه الضغوط إلى الجهة التي بادرت إلى خرق التزاماتها و(لحس توقيعها).

مثل هذا السلوك الأوربي تجاه إدارة ترامب، نرى شبيهاً له في المنطقة العربية، حيث يقوم على تبرع بعض الدول العربية لممارسة (ضغوط) على الفلسطينيين، من أجل القبول بما تُسمى (صفقة القرن)، أو على الأقل عدم رفع وتيرة الانتقادات لواشنطن، والتخلي عن المواقف الفلسطينية الرسمية المطالبة بـ(إيجاد آلية دولية) للوساطة فيما تسمى عملية السلام ورعايتها، بدلاً من الاحتكار الأمريكي لهذه العملية على مدى ربع قرن من الفشل المتراكم، بشكل أوضح هناك دول قررت رفع وتيرة تعاونها مع واشنطن فيما يتعلق بقضايا المنطقة، خاصة حول مسألة القدس، ونقل السفارة الأمريكية إليها.

مرة أخرى، عدة دول ترى أن الخلاف مع واشنطن مكلف، وهذا يتطلب على حد زعم هذه الدول، المبادرة إلى الحفاظ على علاقات الود مع البيت الأبيض بأي شكل من الأشكال، وذلك عن طريق التبرع بالضغط على إيران وعلى الفلسطينيين في الوقت نفسه، ولا شك بأن مثل هذا السلوك الأوربي وسلوك بعض دول المنطقة، سيؤدي إلى تأزيم العلاقات الدولية وليس إلى إيجاد انفراج في هذه العلاقات، ويُشجع الولايات المتحدة على استمرار محاولاتها الهيمنة على الدول والشعوب.

الخلاصة.. من المؤسف أن تتطوع دول أوربية وعربية خليجية وغيرها لتقديم خدمات مجانية لواشنطن، والسعي لتمرير مشاريعها في المنطقة، الأمر الذي يريح ساسة الولايات المتحدة.

العدد 1107 - 22/5/2024