بداية مرحلة استراتيجية جديدة؟

 يجمع العديد من المراقبين السياسيين والعسكريين على أن الردّ السوري الصاعق على الاعتداءات الإسرائيلية على مواقع سورية مدنية وعسكرية، قد أحدث هزة عنيفة في الكيان الصهيوني سواء على مستوى القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية
أو على مستوى الداخل الإسرائيلية، لأنه لم يكن متوقعاً. وبناء على ذلك سرعان ما عقد ما يسمى بالمجلس الوزاري المصغر اجتماعاً عاجلاً لمناقشة هذا الرد السوري، إلى جانب اجتماع آخر عقده رئيس أركان الجيش الاحتلال للغرض نفسه.

وما كان بارزاً في هذا السياق، هو الارتباك الإسرائيلي الذي تجلى بعدة أشكال منها: التكتم في بداية الأمر وإنكار إسقاط أية طائرة من الطائرات التي هاجمت المواقع السورية، ثم بدأت الاعترافات تتوالى بالتدريج من الاعتراف بإسقاط طائرة (اف 16) المتطورة في الجليل بعد إصابتها من قبل الدفاعات الجوية السورية
إلى الإقرار بإصابة طياريها (إصابة أحدهما بليغة)، وبالطبع قد تعترف لاحقاً بإسقاط أكثر من طائرة، هذا إلى جانب اعترافها أيضاً بإصابة عدة صواريخ أطلقتها على مواقع سورية في جنوب دمشق في اليوم نفسه، كذلك اعترف مسؤولون عسكريون إسرائيليون بأن النيران السورية كانت كثيفة جداً بحيث أربكت الطائرات الإسرائيلية ومنعتها من تنفيذ مهامها بالكامل، وأن ساحة المعركة كانت ممتدة على مسافة شاسعة من حمص إلى الجليل.

مما لاشك فيه أن مفاعيل ونتائج هذا الرد السوري كانت واضحة للجميع ومنها أن ما قاله نتنياهو قبل يومين فقط من العدوان: (أنصح بألا يختبرنا أحد) قد ذهب أدراج الرياح، وقد يعرّضه هذا التصريح الأجوف للمساءلة، خاصة أنه مهدد بالمحاكمة في قضايا فساد وإساءة استعمال للسلطة.

– لوحظ بشكل ملموس ما أصاب الكيان الإسرائيلي من حالة ذعر وهيستريا إزاء ما جرى ولاسيما في الشمال منه.

– تبين أن المسؤولين السياسيين والعسكريين في كيان الاحتلال الإسرائيلي حاولوا الالتفاف على ما جرى بأساليب متعددة، منها التكتم على نتائج العدوان من جهة، ثم التبجح مجدداً من جهة ثانية ومعاودة الاعتداء على مواقع سورية إلى الجنوب من دمشق، إلا أنهم فوجئوا بتصدّي الدفاع الجوي السوري لهذا العدوان بحزم.

– لقد أصاب الرد السوري القوي العقل الإسرائيلي المسكون بعقدة التفوق في الصميم، لدرجة تصور معها قادة الجيش الإسرائيلي، أن الفضاء السوري والأراضي السورية سيظلان مفتوحين أمامهم في كل لحظة، أصابه بصدمة كبيرة، وبالتالي، فإن هذا الوسواس الإسرائيلي والشعور بالتفوق أصيب في الصميم مرة أخرى بعد أن أصيب سابقاً في حرب تشرين، وفي الحرب على لبنان عام 2006.

– أدركت إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، بعد هذا الرد السوري، أن الجبهة الشمالية (كما تسميها في مصطلحاتها العسكرية) منيعة إلى حد كبيرة، وأن ما ينتظرها فيها، فيما لو أقدمت على أية حرب جديدة هو أكبر بكثير مما يتصوره قادتها السياسيون والعسكريون.

لقد بات من الواضح أن هذا العدوان الأخيرة على سورية وما سبقته من اعتداءات على مواقع سورية أخرى لم ولن ترفع معنويات الجيش الإسرائيلي، وخاصة أن هناك عدة محللين وكتاب عسكريين إسرائيليين أشاروا في مقالات لهم إلى أن إسرائيل
إذا ما غامرت بشن حرب جديدة ستصاب بكارثة حقيقية، وفي هذا السياق قالت كاتبة إسرائيلية: (إن الحرب الوحيدة التي كسبتها إسرائيل،هي الحرب التي منعت اشتعالها، لأن أكثر من نصف أراضي إسرائيل هي في مرمى الصواريخ السورية وصواريخ حزب الله اللبناني).

الخلاصة: يمكن القول، بل والتأكيد، أن قواعد اللعبة العسكرية أو الاشتباك قد تغيرت، فسورية كانت قد هددت مراراً وتكراراً بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها، وهي بدأت بتنفيذ ذلك، وبالتالي، يترتب على قادة كيان الاحتلال الكف عن هذه الاعتداءات والاستفزاز، وإلا سيفاجؤوا بردود أخرى أشد وعنف لم يعرفوها من قبل.

 

العدد 1105 - 01/5/2024