الكيميائي السوري… مسرحية دائمة العرض!

 لم يمضِ سوى بضعة أسابيع على إعلان فرنسا عن تأسيس ما تمت تسميته بـ(الشراكة الدولية ضد الإفلات من العقاب في استخدام الأسلحة الكيميائية)؛ حتى بدأت تتوالى التصريحات الغربية وترتفع حدتها، على مختلف المستويات، حول استخدام السلاح الكيميائي في سورية.

فلقد قامت باريس، بتاريخ 23 كانون الثاني ،2018 باستضافة ذلك المؤتمر الذي جرى فيه الإعلان عن هذه الشراكة، فقد دُعيت دول محددة فقط، لإضفاء نوعٍ من الشرعية والعالمية على هذه المؤسسة.

في الواقع، لا يخفَ على الخبير في السياسة أن الغاية الحقيقية من إنشاء هذه المؤسسة (أو الشراكة) هي خلق شرعية جديدة بديلة للأمم المتحدة ومجلس الأمن؛ ففي هاتين المؤسستين الدوليتين الأخيرتين لا يستطيع الغرب تمرير القرارات التي يرغب بها حول سورية، بسبب وجود العديد من الدول التي قد تعترض عليها.

لم يفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في موجزها الصحفي في مطلع هذا الشهر، الإشارة إلى هذه الشراكة كـ(آلية بديلة) لآليات الأمم المتحدة، في حال (فشلت) الجهود الدبلوماسية في إلزام روسيا بـ (تحمّل المسؤولية) تجاه (استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية) في الغوطة؛ وهذا ما يعزز الاستنتاج الذي سقناه في الفقرة السابقة عن الغاية الحقيقية من إنشاء هذه المؤسسة.

إضافةً إلى ما سبق، لا يمكن فصل (حفلة التصريحات والصرخات الإنسانية) هذه عن تطورات الأوضاع الميدانية في سورية، وخاصةً العملية العسكرية في الغوطة الشرقية، التي بتحريرها سيفقد الغرب آخر جيوبه الضاغطة على دمشق، وهذا يعني خروجه من المعادلة السورية نهائياً؛ فنحن نعلم أن اهتمام الغرب بحقوق المواطن العربي يصعد ويهبط وفقاً لمصالحه السياسية.

وحتى لا يعتقد القارئ الكريم بأنّنا نحاول استخدام (نظرية المؤامرة) في محاولة تقييم الأوضاع في الغوطة، فإننا ندعو جميع المهتمين بالشأن السوري إلى التأمل في سيرورة الأحداث وبناء الاستنتاجات. ليس سراً عسكرياً إتمام الجيش العربي السوري لجميع استعداداته بهدف اقتحام الغوطة؛ فواجب الدولة حماية مواطنيها القاطنين في العاصمة دمشق، الذين أمطرتهم الجماعات المسلحة بالقذائف والصواريخ منذ بداية الأحداث.

يدرك الغرب جيداً انعدام وجود أي مخالفة قانونية أو أخلاقية من طرف الحكومة السورية في تنفيذ هذه العملية العسكرية، فسورية كانت وما زالت حريصة على الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة. وفي هذه العملية العسكرية المعقدة قد يقع ضحايا بين المدنيين، الذين اتخذتهم الجماعات المسلحة هناك دروعاً بشرية، وهذا أمرٌ يحدث في جميع الحروب منذ ظهور الأسلحة الحديثة؛ إلا أنّ بثّ خبرٍ من قبيل: (قُتِل شخصٌ في الغوطة بنيران قوات النظام) يستدعي طرح مجموعة من التساؤلات من قبل المراقبين: لماذا تحتجز الجماعات المسلحة المدنيين في الغوطة؟ فهذا جريمة حرب؟! ولماذا يدعم الغرب هذه الجماعات التي ترتكب جرائم حرب؟! علاوة على ذلك، لا يثير الخبر السابق حفيظة المواطن الأوربي والأمريكي، البعيد عن مسرح الأحداث والمنهمك في عمله وهمومه، كالقول: (استخدمت قوات النظام الأسلحة الكيميائية في الغوطة)! من هنا ندرك خلفيات دأب المؤسسات الإعلامية الغربية على عرض صور الأطفال، الذين يتم إنقاذهم على يد نشطاء منظمة مشبوهة (الخوذ البيض)؛ إلى درجة أصبح الأمر مثيراً للفضول والتعجب من وجود هذا العدد الكبير من الأطفال في مناطق حدوث الانفجارات تحديداً. وخير دليل على صدق دعوانا هي تلك الطفلة التي تم إنقاذها ثلاث مرات على يد نشطاء الخوذ البيض، والتي عرضت قصتها قناة (النجمة) الروسية. أعتقد أن الموطن السوري يعلم جيداً أن استمرار الحرب في سورية يعتبر فرصة مواتية لأعدائها، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، لاستكمال مخططاتهم في المنطقة، كما أنه مزيد من الاستنزاف للجيش العربي السوري؛ فخروج سورية منتصرةً في هذه الحرب يعني هزيمة للمشروع الأمريكي، وانتصاراً مدوياً لمحور المقاومة ولجميع حلفاء سورية. بناءً على ما سبق، لا عجب أن يقوم نشطاء الخوذ البيض بالتعاون مع بعض المؤسسات الإعلامية الغربية، بتنفيذ مسرحية جديدة في الغوطة، على غرار تلك التي افتعلوها في خان شيخون في نيسان من العام الماضي، بهدف تبرير شن هجوم على بعض مواقع الجيش العربي السوري.

ختاماً، لا شريعة في التعامل مع الغرب سوى شريعة الغاب، فهم سيمارسون كل أنواع الخداع لبلوغ غاياتهم، كما أن الغرب لا يفهم سوى لغة القوة؛ لذلك لا خيار أمامنا سوى مواجهتهم، سلاحنا في ذلك قوانا الذاتية ودعم الأصدقاء. فكما حقق الجيش العربي السوري البطل بالتعاون مع الحلفاء، من روسيا وإيران ولبنان والعراق، نصره العظيم في حلب فإنه سيحققه أيضاً في الغوطة الشرقية، التي ستكون آخر حلقات هذه المحرقة التي جرّت الويلات على سورية والمنطقة.

العدد 1105 - 01/5/2024