فضاءات ضيقة….النقد ومواكبة …

فضاءات ضيقة….النقد ومواكبة الإنتاج الأدبي
#العدد823 #بقلم_د_عاطف_البطرس #جريدة_النور

يشكو بعض الأدباء والمهتمين بالأدب من عدم مواكبة الحركة النقدية للإنتاج الأدبي، ويتهمون النقاد أو من يمارسون النقد بالكسل أو التقصير أو قلة الاهتمام وبالتالي الإهمال.
والسؤال المطروح: هل يستطيع النقاد مواكبة الإنتاج الأدبي؟ وفي أي عصر أو فترة زمنية استطاع فيها النقد مواكبة الأدب؟
لنأخذ مثالاً محدداً معاصراً في سورية على الأقل، كم هو عدد النقاد قياساً إلى عدد الشعراء والروائيين وكتاب القصة بأنواعها، بله النصوص المسرحية وعروضها.
إحصائية بسيطة تبين لنا أن عدد الشعراء فقط في سورية، على اختلاف مستوياتهم وتنوع نصوصهم (الأشكال الفنية)، يبلغ العشرات إن لم نقل المئات، وبالمقابل إذا أحصينا عدد النقاد سنجدهم أقل من ذلك بكثير، فكيف إذا تحدثنا على عدد الروائيين وكتاب القصة والمقالة الأدبية وغيرها.
هل يعترض علينا أحدهم قائلاً: ليس من المطلوب أن يتابع النقد كل المنتوج الأدبي، وإنما عليه أن يتحدث عن الجيد القيّم منه.
ولذلك المعترض نقول: الحكم النقدي معياري بطبيعته، ولابد للناقد من التمييز بين الجيد والرديء، وهي وظيفة النقد الأولى، فعليه تقع مسؤولية الاطلاع على كل مستويات الكتابة، ليتمكن من إطلاق حكم منصف وموضوعي ومحايد إلى حد ما على يطلع عليه.
لقد أحصى صلاح فضل، من خلال اطلاعه الواسع على الحركة النقدية العربية، ما لا يتجاوز 150 ناقداً عبر تاريخ النقد العربي، نصفهم في القرن الهجري الرابع، وربعهم في القرن العشرين، والربع الباقي على امتداد الفترات التاريخية المديدة من تاريخ الأدب العربي.
فكيف يمكن لهذا العدد القليل أن يواكب غزارة الإنتاج الأدبي وتنوعه، مع تباين مستوياته؟
والسؤال الثاني الذي لا يقل أهمية عن السؤال الأول: لماذا عدد النقاد بهذه المحدودية؟
للإجابة عن هذا السؤال دون تحيّز للنقاد وللحركة النقدية، لابد من الاعتراف بأن ولادة شاعر أو قاص أو روائي أسهل بكثير من ولادة ناقد، فليس كل من كتب مقالة في النقد أصبح ناقداً، بمعنى آخر عدّة الناقد أكثر تعقيداً من عدة أي أديب آخر، وارتباط الحركة النقدية بالحراك الاجتماعي ومستوى التطور الثقافي والمعرفي، أكثر اتصالاً منها في الإبداع الأدبي.
النقد فعالية مركبة، يحتاج إلى حوارية معارف، تشكّل مرجعية فكرية نظرية فنية، لا بدّ منها للممارسة النقدية.
النقد بهذا المنظور يقوم على تضايُف المعارف الإنسانية، وقد لا يحتاج إلى مثيلها الشاعر أو القاص.
هذا لا يعني أن منتجي الأدب الآخرين لا يحتاجون إلى الثقافة بكل تنوعاتها وغناها وانفتاحها، لكن تبقى حاجتهم إلى الموهبة أكثر من حاجتهم إلى الجهد المعرفي الذي يحتاجه المبدع، مع أنهم جميعاً بحاجة إلى كل من الموهبة والجهد، ومن دونهما لا يقوم إبداع لا في النقد ولا في غيره من فنون الأدب.
لعلنا قد نصل إلى نتيجة مقنعة: إن قصور النقد والنقاد عن متابعة الإنتاج الأدبي ليس تقصيراً منهم، وإنما هو عائد إلى ظروف موضوعية، فوق إمكانيات النقاد ورغباتهم وطموحاتهم.
أضف، إلى ذلك كله، حساسية الأحكام النقدية وما يمكن أن تثيره من علاقات متوترة بين الناقد ومنتجي النصوص الأدبية، وما يمكن أن ينتج عن أحكام القيمة على النصوص، التي لا تتصف دائماً بالموضوعية والحيادية، بل تشوبها وتخالطها انفعالات بحكم اختلاف الذائقة، والمرجعيات النظرية وعدم كفاية النزاهة النقدية.
النقد، كما هو معروف للجميع، علمٌ وفنّ، فبمقدار ما يرتفع النقد إلى مستويات العلم بما فيه من حياديه وموضوعية، تتراجع المزاجية في الأحكام، أما الظواهر المرافقة للممارسة النقدية والتي لا تخلو منها حركة نقدية، كالشللية والمحاباة وعدم الإنصاف والمجاملة والانتهازية، فهي أمراض عصية على العلاج إلا إذا توفرت الظروف الصحية والصحيحة للحركة النقدية، وذلك موضوع آخر.

العدد 1104 - 24/4/2024