الحياة تافهة وبائسة..غير …

الحياة تافهة وبائسة..غير لائقة بالإنسـان!
#العدد825 #بقلم_غزل_محمد_عائشة #جريدة_النور

ما زال كثيرون في عصرنا من ضحايا العبودية الحديثة والاتجار بالبشر، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، وهي لم تتوانَ يوماً عن تخصيص احتفاليات لأبشع الجرائم.
ظاهرياً، كان لهذا التأريخ هدف إنساني في ظلّ مناهضة كلّ ما يُعتبر مُهيناً للنفس البشرية، أما فعلياً وبحسب عام 1945 الذي أُسست خلالهُ هذه المنظمة، فمازال الواقع بعيداً عن قرارات الأمم المتحدة وعن سطوتها اللاخدمية، علماً أنّها لو كانت تخدم الحال البشري لكُنا قد سمعنا بصدى الأعوام الثلاثة والسبعين الماضية على تاريخ التأسيس والتي لم تحد من هذه الجرائم.
والأشد فجيعة، هو البُرهة التي يعاني فيها السوريون قسوةً لم تُخففها الأمم المتحدة، ولا حتى الزمن بعيد الأمد، فالرجال والنساء والأطفال ممّن وقعوا فريسةً بين أيدي المتاجرين بالبشر، تُقدّر نسبتهم بحوالي 30% من التعداد السكاني للسوريين، وعلى فرض أنّ هذه النسبة دقيقة جداً، لا بد أنّ الأطفال هم الأكثر هلاكاً في ذلك. وهذا التصنيف جمعي يشمل من هم داخل سورية وخارجها.
ونظراّ لأنّ التقدير الأعلى للمهاجرين هم من فئة الشباب، فقد سجّلت حالات الاتجار بهم حدّ اللامعقول من انتهاكات وعراقيل وضِعت بين الحدود الدولية، لتتحول إلى وسط من الغاب، العبثي، المهول. وفضلاً عن هذا وذاك، كان للاستغلال حصة كبيرة من أجساد المهجّرين، ليعانوا ما عانوه من تعنيف واستغلال جنسي وإساءات دون منازع.
غير أنّ من بقي ظلاً للحصار لم يكن حاله أفضل من ذلك بكثير، حسب إيقاع الضرورة التي فرضتها الحرب والقائمون عليها ممّن اتخذ العنف وسيلة، والاستغلال هدفاً.
والنساء بيقين في وضع لا يوصف، فقد طُبّق عليهن أبشع أنواع الاتجار، ويتحول مُعظمهن إمّا إلى عاملات مُستغلات جسدياً ونفسياً، وإمّا بائعات هوى مقابل الفُتات.
وللأطفال حديث مُطول عن حالات اتجار تمّ تسجيلها من شدة وحشيتها، فعمالة الأطفال وتسربهم من المدرسة مشكلة من العسير حلها، وإن أمكنّ حلّ بعضها، كان لعواقب تبعاتها عجز كبير في نفوس من رصد مثل تلك الحالات، فجرائم التحرش الجنسي وضعت الأطفال في سحيق هوّة الانحراف المجتمعي. كما تطرقت بعض الإحصائيات إلى ظاهرة تزويج الأطفال مقابل المال أو مساعدات المفوضية التي تعد الراعي الرسمي لمناهضة الاتجار بالبشر!
فالحرب لم تكن الحدث الجلل والمسبب لذلك كله، بل كانت مشكلة أجّجت ما كان قائماً ورفع نسبه ليس غير.
فالمرحلة الآنية تجعلنا كبشر وليس كسوريين وحسب بحاجة إلى أن نبتعد عن أكل لحم بعضنا بعضاً في ظلّ تدعيم تدخل الحكومات والجهات المعنية، الذي لن يكون رادعاً ساري المفعول ما لم نبدأ بكفّ أنفسنا أولاً.
علماً أنّ هذه التأملات القاسية هي بعيدة عن أن تجعلنا نستسلم، إنما هي على النقيض من ذلك.

العدد 1104 - 24/4/2024