برسم البيع… برسم الموت …

برسم البيع… برسم الموت
#العدد825 #بقلم_حسين_خليفة #جريدة_النور

(هل نتحدث عن (فروات رؤوس) الهنود الحمر التي كانت تؤخذ للذكرى وتُعلّق في بيوت الأرستقراطية الأوربية، والأمريكية الراقية و(الديمقراطية)، بينما كانت نساؤها يغمى عليهن عند رؤيتهن الفأر؟ أم نتحدث عن سفن الرقيق التي كانت تنقل الأفارقة المسروقين بالملايين من غاباتهم وقبائلهم إلى العالم الجديد لبيعهم رقيقاً من أجل خدمة الأرض؟ وهل هناك حاجة للتذكير بأنه حتى ثورة أبراهام لنكولن، المعروفة بثورة تحرير العبيد، لم تكن إلاّ تحريضاً من الشمال الصناعي لعبيد الأرض الزراعيين كي يهجروا الجنوب ويتجهوا شمالاً (وهم (أحرار)) حيث الحاجة ملحّة إلى هذه اليد العاملة الرخيصة؟)- من كتاب (حيونة الإنسان) للراحل الكبير ممدوح عدوان.
الرق والعبودية والسبي وغيرها من الأشكال الأولى للاتجار بالبشر تبقى، على بشاعتها وقبحها، أقل إيلاماً ممّا يحصل الآن في مجال الاتجار بالبشر.
في عصر شرعة حقوق الإنسان والمنظمات والهيئات التي تدافع عن إنسانية الإنسان وحقه في حياة حرة كريمة، إضافة إلى حقه في العمل والتنظيم والاعتقاد والرأي . .. الخ، تجري أبشع عمليات تحويل الفرد إلى سلعة، برغي في ماكينة الرأسمال العملاقة التي تطحن البشر والطبيعة بلا رحمة ولا حساب للأجيال القامة حتى من أبناء الرأسماليين أنفسهم.
حتى الأنبياء والرسل لم يتجرؤوا على محاولة إلغاء الرق والعبودية والاتجار بالبشر، بل حاولوا جعل أحوال هؤلاء الضحايا أقل سوءاً ومحاولة تخفيض عددهم، بمنح المذنبين فرصة محو ذنوبهم بتحرير عبد أو أكثر.
ورغم أن الرق والعبودية ممنوعتان قانوناً منذ زمن طويل إلاّ أن استغلال الإنسان والاتجار به مادياً ومعنوياً عملية مستمرة طالما استمرت المجتمعات الطبقية، وخصوصاً الأطفال والنساء، فظاهرة الخادمات اللاتي يتمُّ استقدامهن من بلدان فقيرة إلى بلدان ثرية هي اتجار محض تحت تسميات متعددة.
وتخلق الحروب بأنواعها (أهلية، أو إقليمية، أو عالمية) بيئة خصبة لعمليات الاتجار بسبب غياب القانون وانتشار الفقر والتشرد، وتزدهر تجارة الأعضاء البشرية لينعم الأثرياء بأعضاء أجساد الفقراء الذين يكتب عليهم أن يصبحوا معوقين ومعلولين.
كانت حالات الاتجار بالبشر في سورية محدودة جداً وتقتصر على الحالات المُقنّعة(استقدام الخادمات مثلاً) وفي نطاق ضيق، لكن سنوات الحرب العجاف فتحت الباب أمام شتى أشكال الاتجار بالبشر والأعضاء، ولا توجد حتى الآن إحصاءات حقيقية ودقيقة عن أعداد الضحايا وخصوصاً من الأطفال الذين بقوا بلا أهل وصاروا مادة مناسبة لجشع وسفالات التجار ومافيات الحرب.
وجرى الحديث عن شبكات من الميليشيات التي تعددت وتنوعت خلال الحرب كانت تقوم بأعمال الاتجار القذرة، وصارت سورية للأسف مصدراً رئيسياً للأعضاء البشرية، بل إن ما يندى له الجبين أن كثرة العرض نتيجة الحرب السورية خفّضت أسعار بعض (قطع الغيار) البشرية.
إن أول ما يجب الانتباه إليه والحرب توشك أن تضع أوزارها هو الالتفات إلى من تبقى من الضحايا، وإنقاذهم من مخالب الوحوش المنفلتة، وتقديم كل من شارك بأي درجة في عمليات الاتجار والخطف للسوريين والسوريات وبيعهم في أسواق النخاسة العالمية إلى محاكمات حازمة لا مجال فيها لأي تسامح أو تهاون، تحت أي ذريعة كانت.

العدد 1132 - 13/11/2024