صمود حلب.. قوة للحل السياسي

 ماتزال الأنباء حول نتائج الزيارة القصيرة التي قام بها الرئيس التركي أردوغان إلى موسكو واجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شحيحة حتى اللحظة، وبالتالي، فلابد من تضارب التعليقات والتخمينات حولها. والثابت حتى الآن هو تشكيل لجان مشتركة عسكرية وأمنية ودبلوماسية لمعالجة القضايا العالقة بين الجانبين الروسي والتركي والتي يفترض أنها قامت بعملها دون إعلان رسمي عن النتائج التي توصلا إليها، وقد ترددت كثيراً بعض الأنباء أو الشائعات عن موافقة تركيا على إغلاق الحدود السورية – التركية بوجه تسلل الإرهابيين إلى سورية، دونما تفصيلات أخرى، وقد ورد في بعض المعلومات اشتراط تركيا من أجل تنفيذ مثل هذا الإجراء، التنازل عن بعض الشروط السيادية السورية والتي دأب الحلف الأمريكي- التركي- السعودي- والفصائل الإرهابية على تردادها يومياً بشكل استفزازي، وكأن على سورية أن تدفع ثمن حمامات الدم التي غرقت فيها الأراضي السورية طيلة السنوات الخمس السابقة والتي يُسأل عنها، ويجب أن يُسأل، أردوغان وجماعته المسؤولون مسؤولية مباشرة وواضحة ومثبتة عن إدخال الألوف المؤلفة من المرتزقة قاطعي الرؤوس وذابحي الأطفال.

أورد أحد مراكز المعلومات الألمانية إحصاء مفاده أن عدد المتسللين هؤلاء إلى سورية قد بلغ 360 ألفاً وعدد المقتولين منهـــم حوالي 50 ألفاً أمــــا عـــدد البــــاقي منهم ويقاتلــــون على الأراضي السورية اليوم فيقدر بـ90 ألفاً، وحتى لو افترضنا أن في هذه الأرقام مبالغة ما، فهذا يعني أننا أمام جيش فعلي مدرب وانتحاري ومسلح بأحدث الأسلحة التي زوّدته بها الدول الغربية وأمريكا.

صحيح أن هؤلاء وقادتهم قد أصيبوا بالصدمة بسبب الروح القتالية والشجاعة العالية التي أبداها رجال الجيش العربي السوري وحلفاؤه، لكن هذه الأرقام لاتشي بأن المخططين والمنفذين لهذه الغزوة الوحشية الكبرى هم في وارد التراجع عنها، وكل الوقائع تشير إلى ذلك، فالسياسة الأمريكية حيال مفاوضات جنيف وفيينا ماتزال هي هي: موارِبة ومعرقِلة لمجرى المفاوضات، وهم، أي الأمريكان مافتئوا فوق ذلك يرسلون الأسلحة من مختلف المصادر إلى سورية عن طريق تركيا، ومنها أسلحة تستعمل لأول مرة وهي تقصف يومياً بالقذائف الضخمة من قبل الطيران السوري الروسي. ومؤخراً كُشف عن وجود دبابات ومصفحات وأسلحة نارية حديثة مرسلة من بريطانيا مع مئات المقاتلين للقتال مع الإرهابيين ضد سورية . كما تفيد بعض الأنباء أن ضباطاً أمريكيين وأتراكاً وعرباً أيضاً قد ضُبطوا وهم  يقودون أرتال المسلحين وقد أثبتت الأقمار الصناعية الروسية حقيقة ذلك.

وإذا عدنا إلى الفضيحة الكبرى التي رافقت إعلان فك ارتباط (جبهة النصرة) عن منظمة القاعدة وتغيير اسمها إلى (جبهة فتح الشام) بأمر أمريكي معلن من أجل إزالة صفتها كمنظمة إرهابية وتسهيل عملية دعمها وانخراطها في المعركة الدائرة في حلب لتحريرها، فهي برهان قاطع على أن أمريكا لا يشغل ذهنها سوى تقوية الإرهابيين ليس غير..

إن السياسة الأمريكية في حال ارتباك شديد الآن، فهي قد أعدت العدة لإبقاء حلب وريفها بيد الإرهابيين وراهنت على كسبهم للمعركة، ونسّقت جهودها مع المبعوث الدولي  ديمستورا لكي يكون موعد انطلاقة جنيف منسجماً مع نتائج معركة حلب، ولما جاءت هذه النتائج في غير صالح الحلف الإرهابي الإمبريالي، جرى تأجيل موعد استئناف جنيف إلى موعد لاحق، ولا يغير في الأمر شيئاً بعض الأنباء التي ترددت عن تحديد ديمستورا موعداً جديداً. إذاً، الإدارة الأمريكية تنظر إلى الحل السياسي كتحصيل حاصل لنتائج المعارك العسكرية، لا كهدف بحد ذاته.

أما حلف المقاومة فهو ينظر إلى الحل  السياسي كوسيلة لإنهاء العدوان الواقع على سورية وتحرير أراضيها من الغزاة، والتوافق على آلية لضمان تطور سورية الديمقراطي والاجتماعي، وفي الوقت نفسه إحلال السلام في الشرق الأوسط والعالم، أما الحلف الذي تقوده أمريكا فلا يدخل في حسابه سوى إسقاط الدولة الوطنية السورية إن لم يكن عسكرياً فبالوسائل السياسية، أي أنهم يخططون لما بعد التسوية ولأخذ سورية من الداخل وإخضاعها للمشروع الأمريكي – الإسرائيلي – الإرهابي.

إن الأمور تسير عكس ما خططوا لها. وما جرى في تركيا إنما يدل على أن هذا المشروع قد أصيب بالعطب وأردوغان اليوم سيسعى إلى الاستقواء بمصالحته مع موسكو وطهران. لتقوية موقفه المهتز لدى واشنطن، ولكن هذا لا يعني أنه سيبتعد عن واشنطن كلياً، فتركيا جزء عضوي في حلف الأطلسي (الناتو) ولا يتحمل هذا الحلف خسارة تركيا. أما أمريكا و أوربا فهما يريدانها في صلب الحلف الأمريكي- الأطلسي في المنطقة.

إن الأيام القليلة القادمة ستشهد تطورات عديدة في أكثر من ميدان، ولكن المؤكد هو أن صمود سورية وحلفائها قد غيّر المعادلات، وسوف يجبر الولايات المتحدة وتركيا ومعها أوربا على إدراك حقيقة أن العالم قد تغير ، ولم تعد الدول الاستعمارية قادرة على التحكم فيه.

العدد 1104 - 24/4/2024