ما بعد حلب

إن هي إلا أيام معدودة ويعلن بعدها رسمياً عن تحرير حلب من الإرهابيين، وعودتها إلى الوطن، بعد أن عاثوا فيها فساداً وتنكيلاً وإجراماً طيلة أربع سنوات، ولم يستسلم أبناء حلب لهم، فنالوا ما نالوا من غضب المرتزقة والمجرمين والغزاة الذين استباحوا ثاني أكبر مدينة في البلاد وعاصمتها الاقتصادية.

لقد كانت معركة تحرير حلب واحدة من أهم المعارك التي عرفتها بلدان عديدة بعد الحرب العالمية الثانية، بالأسلحة التي استعملت فيها، وبالبطولات التي أظهرها الجيش العربي السوري وحلفاؤه، وبعدد الشهداء والجرحى من أهالي حلب، وبمعاناتهم الإنسانية تشرّداً وهدماً للبيوت وسرقةً للأرزاق.

إن الموقف اللا إنساني الذي اتخذه الإرهابيون مؤخراً بمنع المدنيين من مغادرة منازلهم والاحتفاظ بهم دروعاً بشرية، كان موقفاً يدل على الطبيعة الإجرامية لمجمل قوى العدوان على سورية، كما يدل على العهر السياسي الذي اتسم به الغرب وتركيا تجاه شعبنا، من خلال دعمهم للإرهابيين بالمقاتلين والأسلحة والأموال والإعلام طيلة فترة الحرب.

إن دروس الحرب على حلب هي أغزر وأوسع مما يمكن تعداده هنا، ولكن يمكن الإشارة إلى أهمها، ونعتقد أنها ستكون موضوع دراسة على كل المستويات وفي أكثر بلدان العالم.

1-إن النتيجة المباشرة لهزيمة الإرهاب هي سقوط مشروع تقسيم سورية، فقد كان مخططاً لحلب أن تكون عاصمة الدويلة التي كانت ستُنشأ في شمال سورية، في ظل حماية ورعاية من الدولة التركية العثمانية الجديدة التي سيرأسها أردوغان.

2- بروز سورية دولةً إقليمية قوية بشعبها الذي صمد طويلاً أمام كل الضغوط الاقتصادية والأمنية والنفسية، رغم استيائه من أوضاعه الداخلية، وذلك لإيمانه بعدالة القضية السورية، وبجيشه الذي برهن على قدرته على تحدي أكثر من 100 ألف إرهابي مدربين ومسلحين بأحدث الأسلحة، وأدمغتهم محشوة بالأراجيف والأكاذيب الغيبية.

3- صوابية النهج التحالفي الذي سارت عليه سورية مع روسيا وإيران والمقاومة، الذي أثبت فاعلية حقيقية في صدّ موجات العدوان الشرس على سورية، لأن في هذا التحالف مصلحة مشتركة لجميع أطرافه، وأهمها وضع حدّ للهيمنة الأمريكية على العالم.

4- ثبت لجميع الشعوب أن مقاومة النهج الإمبريالي المتسلط ليس أمراً مستحيلاً، إذا تحققت الإرادة السياسية وتوفرت لها التحالفات الملائمة التي تخدم مصلحتها في التحرير والتقدم.

5- إن المشروع الإرهابي الذي يفتك بسورية والعراق الآن هو في طريق التراجع، وقد وجهت له ضربات قاصمة في هذين البلدين الشقيقين، ولو أن أمريكا والغرب جادتان في مكافحة الإرهاب لكان القضاء على هذا المشروع أسرع.

ويحمل هذا البلدان شرف الريادة في مكافحة الإرهاب على الصعيد العالمي، ومن الضروري أن تكون شراكة الدم بينهما حافزاً لمزيد من التعاون والتقارب.

6- ثبت للعالم أيضاً أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة هي الداعمة الأساسية للمنظمات الإرهابية، بدءاً من عهد الرئيس رونالد ريغان في عام 1979 الذي أنشأ فيه منظمة القاعدة، حتى الآن، وهذه السياسة الأمريكية ليست مفاجئة لنا، فإنها تدعم إسرائيل منذ عام 1948 حتى الآن، وهي التي وقفت وتقف مع كل حركة فاشية أو عنصرية في العالم، وتقيم قواعد عسكرية في أكثر من 100 دولة في العالم لقمع الحركات الشعبية المناهضة للاستعمار.

صحيح أن تحرير حلب سيكون نقطة تحول لصالح سورية بكاملها ولصالح القضية العربية ككل، فهي التي ستضع حداً لأحلام السلطان الفاشي أردوغان، ولجموح المشروع الإرهابي المعادي للبشرية، إلا أن الإرهاب لن يقضى عليه بكامله مادام متواصلاً الدعم التركي والسعودي والقطري والأمريكي للمجموعات الإرهابية، ميدانياً وسياسياً، وهذا يتطلب الاستمرار في تطهير الأراضي السورية من رجس الإرهابيين ومحاربة فكرهم الظلامي، بنشر الفكر المستنير، العلماني، والمدني والديمقراطي، واستمرار المساعي لإيجاد حل سياسي للأزمة.

العدد 1104 - 24/4/2024