الحل السياسي هو تحرير الأرض وطرد المرتزقة.. وإقامة الديمقراطية والعلمانية

 ساعات طويلة أمضاها الجانبان الروسي والأمريكي خلال زيارة كيري إلى موسكو مؤخراً في سعيهما لإيجاد مخرج للقضايا المستعصية في مجرى مفاوضات جنيف (3) ومساعي التسوية السلمية التي لم يقطع استمراريتها سوى أخبار الزلزال التركي الذي كاد أن يطيح برأس الطاغية أردوغان ونظام حكمه.

الجديد الذي أتت به الاجتماعات المكثفة هذه، هو إعلان الولايات المتحدة قبولها بتصنيف (جبهة النصرة) واحدةً من المنظمات الإرهابية التي يجب قصفها مثلها مثل داعش، وتهيئة الظروف لتطبيق نظام وقف العمليات العسكرية، وتفادي الخروقات الكبيرة التي كانت وما تزال ترتكبها الجماعات الإرهابية المسلحة في شتى أنحاء سورية، وتشكيل فريق مشترك من الطرفين لمراقبة تنفيذ وقف العمليات العسكرية، وتمهيد الأجواء لإجراء حوار مباشر بين الأطراف المعنية، حسبما صرح لافروف وزير الخارجية الروسي، والذي صرح أيضاً إن الاتفاقات التي اتفق عليها الروس والأمريكان سيبدأ تطبيقها في مستقبل قريب، وقد توقع وجود اقتراحات محددة سيقدمها المبعوث الدولي ديمستورا تتناول ما يسمى بالانتقال السياسي في سورية، مع التأكيد دائماً، من الطرفين، أنه لا حلّ للأزمة السورية سوى الحل السياسي عبر تطبيق القرارات الدولية وآخرها القرار 2254.

إلى هنا، ومما هو معلن حتى الآن، أن الأمريكان قدموا تنازلاً فيما يتعلق بجبهة النصرة، وهذا قد يساعد إذا أخلصوا النوايا على التخلص من (النصرة) التي كانوا يصفونها حتى الأمس بالمنظمة (الثورية)، ولكن هل يمكن الوثوق بالسياسة الأمريكية التي ما انفكت تراوغ في الظاهر وتحمي الإرهابيين ومشروعهم التكفيري في الباطن؟!

لقد ابتسم الكثير من السوريين حين قال الرئيس الأمريكي (أوباما) إن نظامه كان على الدوام مع الشرعية في كل مكان، وذلك في معرض تعليقه على الانتقلاب التركي الذي أفلت منه أردوغان، فهل يكون أبو عمر الشيشاني مثلاً، هو رمز (الشرعية) السورية، بنظر أوباما؟

من الواضح أن هناك العديد من النقاط التي جرى بحثها والاتفاق عليها بين الروس والأمريكان، وهي ليست واضحة أو معلنة حتى الآن، مثلاً، ما هو المقصود بالهدنة الدائمة التي ورد ذكرها عدة مرات، مرة تحت اسم وقف العمليات الخ.. وتارة أخرى تحت اسم الهدنة، وهل ما يقصده الأمريكان بذلك هو إبقاء الحالة الراهنة على ما هي عليه في الأراضي السورية، أي حالة استنزاف طويلة الأمد تحت اسم الهدنة، حتى تستتب الأوضاع الداخلية في سورية وفق ما يريده الغرب الاستعماري، المتحالف مع الرجعية العربية؟.

لو كانت هناك جدية من الطرف الأمريكي، ألم يكن مجدياً أكثر لو أن الأمريكان يوعزون لاتباعهم (جماعة الرياض) بالكف عن مقاطعة مشاورات ديمستورا والعودة إلى الانخراط بها بدلاً من تكرار الشروط المستحيلة؟

 لقد أصبحت الأمور واضحة: هناك فريقان أولهما أمريكي يرعى وجود مصالح الجماعات الإرهابية المسلحة، ومعارضات أخرى متنوعة منها ما هو تابع لأمريكا ويقتات من (موائدها) ويتجه حسب أوامرها، وبعض الفئات المعارضة الوطنية التوجه ينبغي أن تعلن موقفها لعزل الأتباع والعملاء، أما الفريق الآخر، ضحية العدوان، أي سورية المتحالفة مع روسيا، فهي تحمل رؤية واضحة منذ بداية الأزمة المستفحلة- التي نعيش- تتلخص بإيجاد حل سياسي يحافظ على استقلال سورية كاملة ووحدتها وحدودها، ويؤمن لشعبها حياة ديمقراطية وصيغاً سياسية تتناسب مع التطور وحل المشكلات الاجتماعية وفق مصالح الأكثرية الكادحة.

الأمور تتطور بسرعة مذهلة، وانفجار الوضع التركي واهتزاز عدد من الأنظمة، واستفحال التناقضات ضمن الفصائل الإرهابية، وارتفاع الوزن الدولي لسورية، وتقدّم الجيش العربي السوري، ووصوله إلى أبواب مدينة حلب، كل ذلك قد خلق معطيات جديدة لصالح إيجاد حل سياسي مشرف لسورية التي لا تريد سوى كفّ الأذى عنها وعن أبنائها ودولتها ومؤسساتها. واليوم الذي تتحقق فيه آمال السوريين هذه بدأ يقترب أكثر فأكثر.

العدد 1104 - 24/4/2024