من عاصفة السوخوي إلى العاصفة السياسية

 قبل شهرين أقرَّ مجلس الأمن القومي الروسي (في 15 آب)  الخطة العسكرية المؤلفة من ثماني نقاط، حول إطلاق العملية العسكرية الجوية ومحاربة المجموعات الإرهابية المسلحة في سورية.. وبعد شهرين تطورت إحداثيات الخريطة السياسية وتعدَّلت مواقف بعض الدول الأوربية بشأن إيجاد حل سياسي للأزمة السورية التي تقترب من عتبة الخمس سنوات. ومنذ أيام توّجت العلاقات السورية – الروسية بلقاء الرئيسين (بوتين والأسد). وقد أحدث هذا اللقاء الهام مفارقة وتبايناً وثباتاً في مواقف عدد من الدول من جهة، و(تحسّناً) في مواقف دول أخرى من جهة ثانية.وكان موقف واشنطن بارداً، لأنها في الحقيقة لم تحصل على معلومات إضافية عن نتائج هذا اللقاء أكثر مما أعلن عنه في الصحافة.

بحث الرئيسان الوضع في سورية، خاصة استمرار العمليات العسكرية ضد الإرهاب، ومحاربة التنظيمات الإرهابية المتطرفة، والمسائل المتعلّقة بمتابعة العمليات الجوية الروسية ودعم العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة السورية. وأجرى الرئيس بوتين اتصالات مع ملكي السعودية والأردن ومع الرئيسين المصري والتركي، وأبلغهم عن نتائج الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى موسكو. ويبدو أن هناك (حدثاً طارئاً) لكنه لا يحمل الغرابة، فالواقع السياسي في الميدان وفي الجو هو الذي أدى إلى تراجع في الموقف التركي، و(استعداد أنقرة لقبول انتقال سياسي في سورية، يظل بموجبه الرئيس الأسد في السلطة بشكل رمزي لمدة ستة شهور قبل تنحيه). وهذا الموقف مرفوض، روسياً وسورياً، والشعب السوري هو الذي يقرر.

وحول التسوية السياسية يرى بوتين، إمكانية تحقيق التسوية عبر عملية سياسية تشارك فيها كافة القوى السياسية والمجموعات الإثنية والدينية. وقال: يجب أن تكون الكلمة الفاصلة في النهاية للشعب السوري.

وما يزال موقف الولايات المتحدة الأمريكية يحمل شوائب سياسية، رغم بعض التعديلات والتصويبات التي يعلن عنها بين فترة وأخرى وزير الخارجة جون كيري، ويعطيها بُعْداً ديمقراطياً وعلمانياً، كأن يقول: (اتفقنا على سورية موحدة ذات نظام علماني تعددي ديمقراطي).. إذاً، لا اختلاف بين هذا الموقف وموقف الحكومة السورية والقوى الوطنية والديمقراطية السورية، لكن التتمة تتناقض تناقضاً حاداً مع القسم الأول، عندما يكمل شروطه المكررة ألف مرة منذ بدء الأزمة ويقول: (لكن أمامنا شخص يجب إزاحته بسرعة)، وهذه التتمة تلغي ما قبلها وتعبر عن حقد على سورية وعلى المؤسسات السورية المنتخبة وعلى الشعب السوري. وفي المقابل أكدت موسكو ألف مرة (ضرورة بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه).ويوازي هذا الموقف ما أعلنته وزيرة خارجية الاتحاد الأوربي أنه من الضروري (إشراك الرئيس السوري في عملية الانتقال السياسي في سورية).

إن أسوأ المواقف وأكثرها حقداً ورعونة وجبناً هو الموقف السعودي الذي عبّر عنه (الجبير) وزير الخارجية، وريث وزير الدمار سعود الفيصل.ولم يرتوِ حكَّام مملكة الحقد مما أنجزوه من قتل وتخريب وتهديم لليمن وسورية والعراق، بدعمهم السخي بالمال والسلاح وتدريب الإرهابيين، وما يزالون في غيّهم يستمرون في هذه السياسة الرجعية الحاقدة على سورية وجيش سورية والشعب السوري.

لقد انشغلت الفضائيات والصحف والمحللين السياسيين والاستراتيجيين في العالم بهذا اللقاء التاريخي الهام، الذي دخل في سجلات الأزمة السورية، فهو عبارة عن توجيه رسالة سياسية للغرب بشكل عام ولواشنطن بشكل خاص ولدول الخليج والرجعية العربية أيضاً، ويعتبر هذا دليلاً واضحاً على استمرار الدعم الروسي لسورية في محاربة الإرهاب والإرهابيين، خاصة بعد أن شطب لافروف من معجمه السياسي (جنيف 1). وجاء هذا التصريح قبل اللقاء الرباعي في فيينا في 23 تشرين الأول، وقال: لا جدوى من اللقاءات ما لم تشارك دول كإيران وغيرها في البحث عن تسوية في سورية.

مازالت التناقضات بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا والسعودية قائمة حول الأزمة السورية، وجرى الاتفاق، في فيينا، على أن تكون سورية دولة ديمقراطية والعودة إلى بيان جنيف ،1 وركز اللقاء عـــــــــلى ســـــــلامة الأراضي السورية ووحدتها ، وأن تكون سورية خالية من الإرهاب، والمساواة بين المواطنين.

العدد 1102 - 03/4/2024