النساء أكبر دافعي ضرائب الحرب

إيمان أحمد ونوس:

لا شكّ أنه في  البلدان والمناطق التي تشهد حروباً طويلة، تكون النساء، بحكم وضعهن الاجتماعي، من أكبر دافعي ضرائب تلك الحروب، على الرغم من أنهنّ غالباً لا يشاركنّ فيها مباشرةً، لكنهن للأسف أوّل من يَجْنينَ تبعاتها المُرعبة من قتل وخطف واغتصاب، إضافة إلى معايشتهنّ مقتل أطفالهن أو أزواجهن وإخوتهن، عدا التهجير والنزوح وفقدان الخدمات العامة الأساسية للحياة، ممّا يتركهنّ عرضةً وفريسةً سهلة لمشاعر الخوف والحزن والاضطرابات النفسية المُتعدّدة، وهذا بمجمله يندرج تحت مفهوم العنف بألوانه المختلفة المتمثّلة بـ:

  • العنف الجنسي القائم على الاغتصاب لأسباب تتعلق باعتبار المرأة أحد أسلحة الحرب التي تتمُّ من خلالها إهانة الخصم، فالمرأة في مجتمعاتنا حاملة لواء شرف القبيلة وذكورها. وهناك أيضاً، الدعارة القسرية عن طريق شبكات الاتجار الدولية أو المحلية، أو الدعارة الطوعية الناجمة عن حاجة مادية أو معنوية. وهنا، ربما يُمكننا الاعتراف أننا لم نعد بقادرين على إطلاق حكم أخلاقي على الدعارة المُنتشرة في المجتمع بشكل لافت، وهذا بحدِّ ذاته أقسى أنواع العنف. كما يندرج تحت هذا البند الزواج القسري لطفلات صغيرات مقابل المال.
  • العنف الاقتصادي الذي يُسببّه تسلّط وانفراد قلّة من المُحتكرين المُتحكمين بقوت الناس وعملهم، ما وَضَعَ المرأة التي باتت المسؤولة الوحيدة عن إعالة الأبناء والأهل، في ظروف معيشية قاسية ومريرة من حيث الحاجة إلى مكان يؤويها وأطفالها، وإلى لقمة العيش التي بات تأمينها أمراً صعباً وقاسياً في ظلّ غلاء يستحيل معه تأمين ما يسدُّ الرمق، ممّا عزّز زواج القاصرات بحجّة تقليص نفقات إطعامهنّ وتعليمهنّ. كما أن انعدام فرص العمل أمام المرأة، دفعها من جهة لاقتحام مهن وأعمال كانت حتى فترة قريبة حكراً على الرجال، ومن جهة أخرى عزّزت البطالة استغلالها في أعمال وضيعة وبأجر لا يكفي لوأد الجوع (عصابات التسوّل أو النبّاشين مثلاً).
  • العنف الاجتماعي والأسري والمتمثّل بانعدام الألفة والرحمة من المحيط الذي لم يُقدّر حجم المعاناة والمسؤولية الواقعة على كاهل المرأة، لاسيما في ظلّ سكن عائلات بأكملها في مكان ضيّق، ممّا يُفضي إلى مشاحنات ومشاجرات أسرية دائمة، قد تؤدي في نهاية المطاف إلى الطلاق في كثير من الحالات، ولقد ارتفعت نسب الطلاق في سنوات الحرب إلى مستويات مرعبة تُهدّد كيان الأسرة والمجتمع السوري لاحقاً. وهناك أيضاً عُنفٌ أُسريّ آخر يتمثّل بتسلّط الجّدّ أو الأعمام على ميراث الأب أو راتبه بعد استشهاده، فيحرمون الأم من إمكانية إعالة أبنائها لاسيما في ظلّ عدم وجود ابن ذكر، مُستغلين وصايتهم الشرعية على الأبناء، التي حرمها القانون منها. إضافة إلى رفض أهل الأم احتضان أطفالها بحكم ضيق الوضع المادي والسكني، ممّا يضطّرها في بعض الحالات للتّخلي عن أبنائها لذويهم.

وهناك حالات قد تتعرّض المرأة والفتاة فيها للاختطاف بغية حصول الخاطفين على مبلغ من المال، دون أن تتعرّض للاغتصاب أحياناً، لكنها، حين تعود لديارها، تصير منبوذة اجتماعياً ويكون الطلاق مصيرها المحتوم، لأن المرأة دائماً في خانة الريبة والشكّ حتى لو أثبتت براءتها، وهناك العديد من القصص التي سمعنا بها.

  • العنف القانوني المتمثّل بعنف طارئ وغير مكتوب، تساهل بموجبه المُشرّع حين تغاضى عن أسباب تعدّد الزوجات تماشياً مع الوضع الراهن المُتمثّل بقلّة عدد الرجال من جهة، والبطالة التي تعاني منها النساء من جهة أخرى، مثلما سمح بالآن ذاته بزواج القاصرات. غير أن هناك عنفاً قانونياً أشدّ إيلاماً، وهو رفض تسجيل المولود ناتج الاغتصاب على اسم الأم لأن القانون لا يسمح بهذا، وهنا نكون في مواجهة حالات من مجهولي النسب.
  • العنف النفسي الذي يتمثّل بالحالة النفسية التي تعيشها المرأة بسبب كل ما ذكرناه أعلاه، والذي يُشكّل لها مرّة بعد أخرى العديد من الصدمات النفسية الناجمة عن فقدان أعزاء أو ممتلكات، فضلاً عن الصدمات المرتبطة بالاغتصاب، إضافة إلى استمرار التوتّر والقلق اللذين يسمان تصرفاتها وسلوكياتها بشكل عام. إن هذا الكمَّ الرهيب من العنف يخلّف داخل المرأة الإحساس بالقهر والاكتئاب والعزلة، إضافة إلى الشعور بالإثم والعار والاضطهاد الاجتماعي. وهذا بمجمله يتطلّب إنشاء مراكز للدعم النفسي والاجتماعي والقانوني للنساء والأطفال.

ولأن العالم احتفل في الخامس والعشرين من تشرين الثاني باليوم العالمي لمناهضة العنف ضدّ المرأة، فإننا نطالب بتطبيق القانون الدولي والاتفاقيات الدولية الخاصّة بحماية النساء والأطفال في مناطق النزاع المسلّح، إضافة إلى ضرورة إشراكهن في جميع التدابير التي من الممكن اتخاذها بشأنهن، وكذلك في مجال محادثات السلام الخاصة بمجتمعاتهن، أيّ ضرورة تفعيل القرار 1325 بشكل جدي في سورية، والذي فرض مُتغيّرات كبيرة وجديدة سواء على مستوى المرأة، أو على مستوى الأسرة.

العدد 1140 - 22/01/2025