تدفئة ذاتية!
وعد حسون نصر:
(تدفئة ذاتية)، مصطلح غريب والمقصود منه غير واضح تماماً. لكن أحد المسؤولين في قطاع النفط قدّم تفسيراً له عبر وسائل الإعلام المحلية وأوضح المعنى بأنه عبارة عن ارتداء الملابس السميكة واستخدام أغطية ثقيلة خلال فصل الشتاء وبرده القارس، والسبب فقدان وقود التدفئة، مع العلم أن أرصفة الطرقات مرصوفة بوقود التدفئة وبأسعار خيالية، وفي أي وقت تجد وقوداً للسيارة أو للتدفئة!!
وتبقى الأسئلة تتردد في الأذهان: كيف توفرت المادة في السوق السوداء وفُقِدَتْ من مؤسسات الدولة؟ من المسؤول عن هذا التسيّب، وعن حرمان المواطن من حقّه في الحصول على مُخصصاته من الوقود رغم أن هذه المخصصات تكاد لا تكفي لأسبوع في هذا البرد القارس؟ لمن تتبع هذه البسطات؟ من المسؤول عنها وعن تزويدها بالكميات التي تبيعها؟ من يحمي هؤلاء المستغلين؟ ومن يجني أرباحها؟!
كل هذه الأسئلة تدور في أذهاننا نحن المواطنين الذين لا نملك سوى الدعاء والابتهال لله والاستغاثة من أجل النجاة من البرد القارس في الشتاء، والحرِّ الشديد في الصيف! في الوقت الذي يظهر فيه هذا المسؤول ليخبرنا أننا أمام موجة صقيع وشتاء قارس، ونحن لا نمتلك إلاّ ملابسنا وأغطيتنا لنردَّ عن أجسادنا وأجساد كبارنا وأطفالنا برد الشتاء.
حتى الكهرباء شبه غائبة بفقدان مادة الوقود المُحرِّكة لمحولات الكهرباء، مع العلم أنه يوجد ما يسمى خطوط ذهبية ومُعفاة لمن يمتلك المال ويدفع أكثر، أو لمن يمتلك السلطة ويُعفى من الدفع لينعم بالدفء الذي نحلم به!
الفساد الذي عمَّ البلاد، واستشرى أكثر فأكثر خلال الأزمة، إذ غابت المراقبة والرقيب، وغاب معهما الضمير في ظلّ غياب الكوادر وهجرتها، إضافة إلى العمل بمبدأ المحسوبيات، كل هذا جعلنا نسمع ونعمل بمصطلحات جديدة أهمّها وأحدثها: (التدفئة الذاتية)، والمصطلح العتيق: (دبّر حالك، أو عليك بحالك) وكأننا في غابة الحياة فيها للأقوى والبقاء للأكثر غطرسة. وللأسف الشديد أصبح المواطن حقل التجارب الذي تُطبَّق عليه كل التجارب، فتارةً يُلزم ببطاقة ذكية يُقنّن من خلالها عدد وجباته وساعات تدفئته وعدد أيام الطبخ وفناجين القهوة كي لا يستهلك غازاً أكثر من المخصص، وتارةً أخرى يُلزم بتدفئة ذاتية. كذلك، حساب بنكي وتأمين وما شابه!
هكذا غدت أيامنا ممزوجة بالقهر والأمنيات، ممزوجة بغطاء وشعلة نار في موقد، ممزوجة بانتظار رسالة البنزين والمازوت والغاز وحلم السيران ووجبة ساخنة وفنجان قهوة الصباح!! جعلوا من أحلامنا البسيطة أزمة وحمّلونا وزرها، صعدوا على أكتافنا وتدفؤوا على نار تكوينا حين جعلوا وقودنا شراشف وثياباً قديمة ممزقة وأحذية عتيقة نضعها وقوداً للمدفأة ونتحمّل رائحتها النتنة لنقي أجسادنا علّة البرد، بينما صدورنا تعبُّ وتتعب من روائح البلاستيك وبقايا الثياب!
إن سوء التخطيط وعدم انتقاء الأشخاص الأكفاء لإدارة الأزمة وإيجاد حلول لها جعلها تتفاقم أكثر عاماً بعد عام، مثلما أوجد أشخاصاً ومسؤولين يدعوننا للتحلّي بالصبر واستخدام التدفئة الذاتية وإيجاد الضوء البديل للكهرباء، بل وأكثر من هذا بما وجعل أحدهم يُصرّح أن الإسراف باستمرار فترة تغذية الكهرباء عبء على المواطن وسيضطر لدفع فواتير باهظة، لذلك قررت الدولة تقنين التيار لأنه في مصلحة المواطن!!
مثل هذه العقول (النيّرة)، هي سبب أزمتنا وشقائنا. ولا عجب أن يأتينا بعد فترة أحد هؤلاء المسؤولين ويخبرنا فوائد الري بالتقطير لجسم الإنسان وأنه لا يسبب أزمة خانقة بالماء، كذلك الاستنشاق المتقطع للهواء يحافظ على الأوكسجين في الطبيعة، ويجعلنا نمارس رياضة الرئة! المهم أن يبقى المسؤول محافظاً على موقعه بعقله الراجح وفكره المنفتح الذي سبق به كل حضارات الأمم، وتعليماته للمواطن التي كان أهمها التحلّي بالصبر وارتداء الملابس المناسبة للشتاء وللصيف، والتغذية التي تعتمد على سعرات حرارية، والمشروبات الساخنة التي تبعث الدفء، وأن يبتعد كل البعد عن الوقود لأنه يُضرُّ بالصحة، والأهم اعتماد منهج (التدفئة الذاتية) في المدارس لكي ننشئ جيلاً يدرك أنه المعني الوحيد بمفهوم الأزمة، بينما المسؤول خارج هذا المفهوم.