الاستراتيجية الروسية الجديدة تقلب الطاولة على الغرب الأطلسي

رزوق الغاوي:

بعد صمت أمريكي مريب حول العملية الإرهابية في (كروكاس سيتي) في العاصمة الروسية، وتبنّي تنظيم (داعش خراسان) لها، ذهبت موسكو في اتجاه تحميل النظام الأوكراني الوقوف وراءها، ما أخرج واشنطن من صمتها وإعلان إدارتها وسياسيّي حلفائها وإعلامييهم تبرئة كييف والدفاع عنها .

في مطلق الأحوال ترى أوساط متابعة أن معطيات التحقيق مع منفذي العملية تؤكد أنهم مرتزقة مأجورون من قبل دوائر رسمية أوكرانية عملت بالتخطيط لها مع تنظيم داعش، للإيحاء بأن هذا التنظيم يتحمل وحده كاملَ المسؤولية عن تنفيذها، وتالياً إبعاد الشبهات عن النظام الأوكراني، غير أن ما يلفت الانتباه أن توقيت تنفيذها جاء كرد فعلٍ أوكراني، بعد إخفاق كييف في مواجهة العملية العسكرية الخاصة في منطقة الدونباس من جهة، وإنهاء موسكو العمل بالاستراتيجية القديمة الخاصة بالسياسة الخارجية الروسية وتبني استراتيجية جديدة لتلك السياسة من جهة ثانية.

في هذا السياق يأتي تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن (التغييرات الجذرية في الحياة الدولية تطلّبت العمل بجدية على تعديل وثائق التخطيط الاستراتيجي الرئيسية)، وأضاف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه (في ظل ظروف التهديدات الخارجية، تؤكد الاستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية الروسية أن مبدأ الارتباط الأمني متاح استناداً إلى الندّية، وإن تلك الاستراتيجية ستولي الأهمية لنهاية هيمنة الغرب على العالم).

ومن دون أدنى شكّ، فإن العملية الارهابية التي تعرضت لها موسكو، وما حملته في ثناياها من نوايا عدوانية أمريكية وغربية سافرة، قد فتحت الآن الأبواب مشرعةً على أنماط جديدة من التعامل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري الروسي مع الغرب الأطلسي، والذهاب باتجاه قارتي إفريقيا وأمريكا اللاتينية بأنماط جديدة من التعامل السياسي والدبلوماسي والتعاون الاقتصادي.

ولا بد هنا من الإضاءة على أبرز ما تضمنته وثيقة الاستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية الروسية، وخاصة  اعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المحرك الرئيسي والمصدر الأساسي للسياسة المعادية لروسيا، وأنها أكبر تهديد يواجه العالم وتطور البشرية، وأن روسيا ستستخدم الجيش لصدّ ومنع أيّ هجوم مسلح ضدها أو ضد أيٍّ من حلفائها، وستتعامل مع الدول الأخرى بالمثل، وخاصة العمل على تعزيز العلاقات والتنسيق بشكل شامل مع الصين والهند، مركزي القوة العالمية الصديقة، مع اعتبار أن المشروع الرائد بالنسبة إلى روسيا في القرن الحادي والعشرين هو تحويل أوراسيا إلى مساحة واحدة يعمّها السلام والاستقرار والازدهار، ومعارضة سياسة خطوط التقسيم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وجعل القضاء على أساسيات الهيمنة من جانب الولايات المتحدة والدول الأخرى غير الصديقة في الشؤون الدولية أحد الأولويات الروسية، والسعي لتحقيق الأمن المتساوي لجميع الدول على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، وتشكيل نظام عالمي يوفّر أمناً موثوقاً به ويضمن تكافؤ الفرص بالنسبة إلى الجميع.

العدد 1105 - 01/5/2024