حرب الليثيوم.. فقراء بوليفيا الأغنياء!
فادي إلياس نصار:
تعمل الماكينة الإعلامية الإمبريالية، على تجميل عمليات نهب الأمم التي يقوم بها الذئب الأمريكي، بإلباسها لبوس الحملان التي تطالب بالحريات العامة وحقوق الإنسان، مزيناً إياها بكذبة الديمقراطية، وما إن تنتهي عمليات النهب تلك، حتى يتفسخ ثوب الحملان لتظهر حقيقة الذئب المفترس وسياساته اللاإنسانية، المُفرّخة للمجموعات الإرهابية والجيوش المأجورة، والمشجعة لأحزاب اليمين، التي تلعب دور ذيول للمستعمر بامتياز.
تُحاصَر فنزويلا الغنية بالنفط (تمتلك أكبر ثروة نفطية في العالم، وكميات هائلة من الفحم والحديد والذهب)، من قبل الولايات المتحدة ذاتها، المستورد الأكبر لذلك النفط (تستورد نحو 40% من صادرات فنزويلا النفطية)، ليس بهدف نشر الحريات والديمقراطية، إنما للاستيلاء على هذه الثروات، ولذلك خَلَقَت ودَعَمَت أحد ذيولها هناك: خوان غوايدو.
ولم يكن تلفيق التُّهم للرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا (العدو اللاتيني الأكبر لسياسة البنك الدولي)، تطويراً للبلاد وإنقاذ الفقراء في أحياء (الفابيلا)، وليس من أجل الحريات ولا من يحزنون، إنما نتيجة لمآرب استعمارية، للسيطرة على الثروات الطبيعية للبرازيل، ذات الموارد الضخمة (الأولى عالمياً في إنتاج خام الحديد، بنسبة تصل إلى 31 في المئة)، فأوجدت بولسونارو ليعمل ذيلاً.
أما في بوليفيا، وبهدف السيطرة على الليثيوم أحد أهم مصادر الطاقة، وأندر المعادن في العالم، والذي تمتلك البلاد منه أكبر احتياطي عالمي (نحو خمسة مليارات طن)، فقد عملت دوائر القرار الأمريكية (الكونغرس، البنتاغون والبيت الأبيض)، على صناعة ربيع بوليفي جديد، يُماثل الربيع العربي، فتدخلت في الشؤون الداخلية لذلك البلد، وأسقطت الرئيس موراليس، وعيّنت ذيلها اليميني المتطرف.
نعم ، لقد حاربت الرئيس الاشتراكي موراليس، الذي سرَّع التنقيب عن الليثيوم، وأعلن عن إنشاء مصنع في صحراء يويوني لاستثمار هذه المادة، رافضاً أن يكون أبناء بلده عبيداً عند الشركات وجمعيات خاصة البحث عن الثروة السريعة، مُصرّحاً: إنَّ بلادنا تحتاج إلى مستثمرين وشركاء، وليس إلى أسياد يأتون لنهب هذه الثروة. وأصدر قراراً بتأميم المناجم وعمليات التعدين كلها، عام 2016، وصاحب القول الشهير: إذا كانت أوربا تطالب بديون بوليفيا وفوائد الديون، فأنا أيضاً يمكنني المطالبة بالذهب الذي أخذته أوربا وبالفوائد، ففي أرشيف الإنديز توجد صفحات عاماً بعد عام من 1503 حتى 1660 أخذت إسبانيا 185 ألف كيلوغرام من الذهب، و16 مليون كيلوغرام من الفضة!
نعم لقد ركّبوا التُّهم للرئيس الهندي الأحمر موراليس، الذي ذكَّر العالم بأن احتياط بوليفيا من الليثيوم يسدّ حاجة البشرية جمعاء، لخمسة آلاف سنة مقبلة، والذي غيَّر اسم بلاده من (بوليفيا) إلى (دولة بوليفيا متعدّدة الأقوام)، احتراماً منه لأبناء قبائل الهنود الحمر، وانتشل مواطنيه من الفقر المدقع ، بعد أن قفز ببلاده من المرتبة الـ 33 من بين أشد بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي فقراً الى المرتبة الـ 15. ووضع (إسرائيل) على لائحة الدول التي تُمارس الإرهاب. ويُسجل له أن بلاده صوَّتت في مجلس الأمن ضد مشروع قرار أمريكي لتمديد ولاية الآلية المشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة في سورية.
لذلك قام أعداء الشعوب، وركَّبوا له تُهماً مثل التي ركّبوها يوم أحرقوا العراق، اليمن، السودان، ليبيا وسورية، من وزن أنه ديكتاتور، غير ديمقراطي ويقمع الحريات العامة، فخلقوا لهم من (جانين آنييز)، ذيلاً على شاكلة باقي ذيولهم في القارة اللاتينية.. تعمل كدمية لخدمة الناهب الدولي المتوحش.
الحرب على الصين
يدخل استخدام الليثيوم في إنتاج التريتيوم من أجل توليد الطاقة. والليثيوم هو عنصر خفيف جداً ومعدن طيع ذو لون فضي يدخل في تصنيع البطاريات (المسماة بالليثيوم– أيون) التي تستخدم في تشغيل نحو 1،5 مليار جهاز من الحواسيب المحمولة والهواتف النقالة.
تُشن حرب الليثيوم لقطع الطريق على الصين (العدو التجاري الأكبر للوحش الأمريكي)، فهي تستخدم هذا العنصر الكيميائي، بشكل رئيسي في صناعة السيارات المسماة بالهجينة (نصف كهربائية، نصف بترول)، أو تلك التي تعمل كلياً بالكهرباء، والتي ستصنع الصين منها مليون سيارة مع بلوغ عام 2020، مع عشرة ملايين موقف، مُجهز بمقابس كهربائية لشحن بطاريات الليثيوم فيها.
استباحت جميع الدول الغنية بالثروات، فنهبتها لتغطية العطاءات التي تغدقها على الصهيونية العالمية، فكما حاصرت إيران، وكوبا وفنزويلا، وأشعلت الحرب في العراق، واليمن وسورية، تسعى اليوم لخنق الحركات الثورية اليسارية في أمريكا اللاتينية، والعالم كله، فقط كرمى لعيون (إسرائيل)!