تحوّلات إفريقية مهمة

د. صياح فرحان عزام:

تشهد القارة الإفريقية انقلاباً جيوسياسياً لافتاً، نتيجة لتراكم المظالم الناجمة عن الهيمنة الغربية، وصعود قوى إقليمية ودولية مناوئة للغرب، وبروز جيل إفريقي من القادة الشباب أكثر وعياً بواقع القارة ومآسي شعوبها، إضافة إلى الحاجة للتغيير بعيداً عن سيطرة الدول الغربية.

لهذا، جاءت سلسلة الانقلابات المتتالية خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي شملت الدول التالية: (مالي، تشاد، غينيا، بوركينا فاسو، النيجر، ومؤخراً الغابون).

إذاً، هذا التحوّل يؤذن بنهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى جديدة، وخاصة ما يتعلق بالوجود الفرنسي والأمريكي، كما يأتي تأكيداً لمبدأ السيادة الوطنية وحق تقرير المصير، بعيداً كل البعد عن منطق الهيمنة والتبعية الذي مارسته وفرضته بالقوة القوى الاستعمارية على مرّ العقود الماضية في القارة السوداء، مع السعي إلى تحقيق تطلعات الشعوب وأمانيها في الاستقرار والتنمية والاستفادة من الثروات الهائلة التي تتمتع بها القارة، والتي تتعرض للنهب من جانب الدول والشركات الغربية، ومن ثم العمل على إقامة علاقات متعددة الوجوه مع دول أخرى صاعدة مثل روسيا والصين، قائمة على قاعدة الاحترام المتبادل وتبادل المصالح، ومن دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول كما تفعل الدول الغربية.

من الطبيعي أن تثير هذه الانقلابات وما تبعها من تحولات وسياسات قلقاً ومخاوف في الدول الغربية الاستعمارية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، لأن هاتين الدولتين الاستعماريتين، هما الأكثر تضرّراً من هذا التحول الاستراتيجي في القارة الإفريقية، في حين تتقدم موسكو وبكين كقوّتين بديلتين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتنموياً.

والآن نأتي إلى تجلّيات هذا التحول، وأهمّها:

– خروج فرنسا من النيجر بقواتها وقواعدها العسكرية، وإلغاء امتيازاتها في اليورانيوم وغيره، وذلك بأمر من المجلس العسكري الحاكم هناك.

– إلغاء الاتفاقيات العسكرية مع دول الاتحاد الأوربي.

– ومؤخراً صدر قرار بإلغاء اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية (بشكل فوري)، وهو الاتفاق الذي يسمح بوجود 1100 جندي في قاعدتين عسكريتين، إحداهما قاعدة طائرات من دون طيار معروفة باسم (القاعدة الجوية 201)، بُنيت قرب (أغاديس) في وسط البلاد بكلفة زادت عن مئة مليون دولار، ويجري استخدامها منذ عام 2018 ضد ما تسمّى الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل الإفريقي، حسب الادعاءات الأمريكية.

وقد جاء هذا القرار في أعقاب زيارة قام بها وفد أمريكي في منتصف شهر آذار 2024 برئاسة مولي في (مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية)، وضمّ الجنرال مايكل لانغلي (قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا)، وقد تمت هذه الزيارة دون أي مراعاة للبروتوكول الدبلوماسي، ودون إبلاع مسبق لحكومة النيجر الرسمية بموعد الزيارة ووصول الوفد وجدول أعماله؟ وهذا ما جعل حكومة النيجر تستاء من هذه الطريقة، وقال المتحدث باسم المجلس العسكري أمادو عبد الرحمن: (إن حكومة النيجر قررت بكل مسؤولية، آخذة طموحات الشعب ومصالحه في الاعتبار، أن تلغي بمفعول فوري، الاتفاق المتعلق بوضع الطاقم العسكري للولايات المتحدة والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأمريكية على أراضي النيجر)، كما أكد أن الوجود العسكري الأمريكي في البلاد (غير قانوني وينتهك كل القواعد الدستورية والديمقراطية).

والجدير بالذكر أن هذا الاتفاق الملغى كان قد وُقّع عام 2018 في عهد الرئيس السابق الموالي لأمريكا محمد بازوم.

أما رد الولايات المتحدة على ذلك، فقد اقتصر على القول إنها على علم بهذا الأمر، وتجري اتصالات مع المجلس العسكري الحاكم بهذا الشأن.

باختصار، يبدو واضحاً أن المجلس العسكري في النيجر لم يستسغ طريقة مجيء الوفد الأمريكي ولا القضايا التي طرحها، لأنها تمس الشؤون الداخلية للنيجر، وسيادة البلاد.

العدد 1104 - 24/4/2024