لا توجد مساواة ما دام العالم غير متساوٍ
بقلم: رايكه كارلسون / سكرتيرة الحزب الشيوعي الدنماركي:
ترجمة وإعداد: د. شابا أيوب:
بمناسبة الثامن من آذار (يوم النضال العالمي للمرأة)، نشرت جريدة الشيوعي في عددها الثالث الصادر في آذار 2024 مقالاً بعنوان (لا توجد مساواة ما دام العالم غير متساوٍ).
في بداية المقال تطرح الكاتبة عدة تساؤلات منها:
هل من المساواة أن يُسمح لنا نحن النساء أن نموت في الحرب تحت الشروط نفسها مثل الرجال؟
هل من المساواة أن يكون هناك المزيد من مديرات المؤسسات أو أرباب الأعمال؟
هل من المُساواة أن يحصل الرجل على الحق في إجازة أمومة بينما على المرأة أن تُقَدِّم نصيبها من الرعاية؟
وَهل يعتبر الاتفاق الجماعي حول الأجور الذي جرى الاتفاق عليه للتو انتصاراً للمساواة؟
وتُجيب: لا، ليست المُساواة.
عندما عُدِّل الدستور الدنماركي في عام 1915، أُعيدت كتابة القواعد بحيث يمكن انتخاب النساء لعضوية البرلمان. وقد زاد عدد النساء في البرلمان بشكل مطرد على مر السنين، واليوم 43.6 % من أعضاء البرلمان هم من النساء. هذه حقائق وكان ينبغي أن تؤدي إلى سياسة أكثر إنسانية. لكن هذه السياسة لم تتحقق. قضايا المرأة لا تثار إلا في إطار المجتمع الذي نعيش فيه. ولولا ذلك لكانت قضية المساواة قد حُلَّت منذ زمن طويل.
منذ عام 2017، يتزايد عدد النساء والأطفال القادمين إلى مراكز الأزمات (*) بشكل مطرد. وقد استمر هذا الاتجاه كما تُظهر أحدث الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاء الدنماركية. ففي كل عام، تتعرض 118 ألف امرأة لعنف شريكها. ولذلك يظل عنف الشُّركاء (الأزواج) والعنف في علاقات القُربى مشكلة مجتمعية كبرى. وازداد إيواء النساء المُعنّفات في مراكز الأزمات بنسبة 12 في المئة في عام 2022 مقارنة بالعام السابق.
43% من إقامات النساء في مراكز الأزمات تكون بمرافقة طفل أو أكثر، وهو ما يمثل أيضاً زيادة مقارنة بالعام السابق. ويمكنني أيضاً أن أشير إلى أعداد الأشخاص الموجودين في أسفل القائمة من ذوي الدخل المحدود، مثل متلقي الرعاية الاجتماعية واللاجئين غير الشرعيين والنساء المهاجرات. لكن هذه المشاكل ليس لها أي اهتمام سياسي ملحوظ ولا يجري التركيز عليها. وإلّا لجرى حلّها أيضاً منذ مدة طويلة.
رعاية خاطئة
وفي المقابل يتمتع الدفاع بيقظة كبيرة. لقد كان هناك ارتفاع قياسي في عدد المتسربين من العمال والموظفين. وهذه مشكلة كبيرة باعتقاد السياسيين.
وبعد إلغاء التحفظ الدفاعي الدنماركي (**)، فإن النتيجة هي أن الدفاع الدنماركي سيشارك في المزيد من المهام، إضافة إلى أنشطة الناتو. وفي الوقت الحالي تشارك المؤسسة العسكرية الدنمركية في المناورات العسكرية الضخمة التي يقوم بها حلف شمال الأطلسي على طول الحدود الروسية، وتُطالب الولايات المتحدة بزيادة عدد الجنود الدنمركيين الملتحقين بالناتو. ولهذا السبب تتنافس الأحزاب السياسية من كل الاتجاهات داخل البرلمان الدنماركي في إشارة إلى المساواة، من أجل دمج النساء في الدفاع وتمديد التجنيد الإجباري. يجري هذا ليس من أجل النساء، فقد تمكنَّ أنفسهُنَّ من التطوع لفترة طويلة على أي حال، ولكن من أجل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوربي.
أين هي المُساءلة؟
قبل بضع سنوات كانت العناوين الرئيسية (المستشفيات العامة تنزف موظفين). مما أدى إلى ذهاب الاشتراكيين الديمقراطيين إلى صناديق الاقتراع في عام 2019 واعدين بتوظيف 1000 ممرضة إضافية في المستشفيات العامة. لكن لم يُوظَّف أحد.
قال وزير الصحة آنذاك ماغنوس هيونيكي: (لم يكن الخطأ في الاشتراكيين الديمقراطيين)، وإنّما بسبب كورونا وصِراع المُمرضات الغبيّ في مطالبتهن بزيادة الأجور.
لا أريد على الإطلاق الذهاب الى فكرة أن التمريض مهنة المرأة والجندية هي مهنة الرجل. يمكن لكلا الجنسين أخذ كلا المهنتين. إن تقييم المهنتين هو الجوهر هنا، والأولوية هي في نقص القوى العاملة في كلتا المهنتين. هذا على الرغم من حقيقة أن البرلمان غني بنسبة 43% من النساء، علاوة على ذلك بوجود رئيسة وزراء اشتراكية ديمقراطية على رأس السلطة، وهذه هي وجهة نظري. إن السياسة المُتبعة هي الحاسمة بالنسبة للمساواة.
تحديد الأولويات
ومع زيادة عسكرة اقتصادنا الاجتماعي، التي تصاعدت بالطبع خاصة عندما تم التلاعب بنا لرفع التحفظ الدفاعي في ضوء الحرب الأوكرانية وازدهار صناعة الدفاع الدنماركية، فقدْ حرمونا فعلياً من الاختيار بين الرفاهية مقابل الحرب، سواءٌ كنا رجالاً أو نساء. ومن هذا المنطلق، يمكننا أن نودع الوهم القائل بأن الدنمرك تتولى شؤونها بنفسها.
لن يكون هناك المزيد من الأموال لرعاية الأزمات التي يتعرض لها أطفالنا، سواء كانت فضائح في المدارس، أو خدمات الشباب، أو أماكن السكن الاجتماعية، أو مجال الإعاقة، أو الطب النفسي، أو رعاية المسنين. هذا فقط على سبيل المثال لا الحصر من المجالات التي تُطالب بالمساءَلة.
إن دوامة العنف، كما ذكرتُ في البداية، هي في نهاية المطاف أحد أعراض مجتمع فاشل. مجتمع يُقلل من أولوية المهن التي يشار إليها على أنها مهن نسائية تقليدية.
نتيجة مثيرة للشفقة
منذ عام 1883 طالبت جمعية النساء الدانماركية بالمساواة في الأجور. لقد مرت 144 سنة وما زلنا بعيدين عن تحقيق هذا الهدف. الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء ذوي المستوى العالي من المؤهلات هي بحدود 11% في سوق العمل بالقطاع الخاص. كذلك هو الأمر في البلديات والمُحافظات. أمّا في وظائف الدولة فما يقرب من 3.5 %. وفي كل الأمكنة، تميل فجوة الأجور لصالح الرجال (وهذا حسب مُعطيات سنة 2022).
المِهن التي تُهيمن عليها النساء لا تُحَسِّن من مواقعهنَ في التسلسل الهرمي للرواتب، وفي بعض الحالات تتخلف عن الركب عند النظر إلى المنصب الذي يتعلق بطول مدة التعليم. وعلى الرغم من خفض لجنة المساواة في الأجور، وقانون الخدمة المدنية الذي عفا عليه الزمن، وكلام الساسة المألوف، فإن شيئا لم يحدث. ولم يُشَر هنا إلى محاباة أرباب العمل أو إلى الأموال التي تنفقها الدولة على الحروب بدلاً من أن تنفقها على المجالات المذكورة.
مع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن الاتفاقية الجديدة الخاصة بأجور الموظفين لعام 2024 ونتائجها مثيرة للشفقة. المال موجود. ويمكننا أن نرى ذلك عندما يتعلق الأمر بالقطاع الحربي، الذي لديه أيضاً ربّ العمل نفسه ويخضع لقانون الميزانية نفسه. قانون الميزانية، الذي يقضي بفصل عدد لا يُحصى من الزملاء سنوياً. ولم تُقدَّم أيّ مطالبة للاحتفاظ به.
أيّتها المرأة.. اعرفي قدركِ!
نحن الشيوعيون نريد الرفاهية، ونعتقد أيضاً أن غالبية السكان يريدون ذلك. نريد أن نحظى بالاعتناء والرعاية والتكوين والبحث عن الحياة. نريد بعضنا البعض ونريد الاهتمام بالمستقبل. أموالنا يجب أن لا تتبخر، وتُدمِّر البنية التحتية والبيئة، ويجب ألا تُصرف هباءً. نحن نريد المُساواة، وهذا لم يحدث في ظل الرأسمالية. لقد أُتيحت لها الفرصة، والآن حانَ دورنا. نحن نستحقّ أكثر.
وتختتم الكاتبة مقالتها بالشعارين التاليين:
أيّتها المَرأة تَعرَّفي على معركتك!
يجب أن تحلّ الرفاهية والاشتراكية محل الحرب والرأسمالية!
——
(*) هي بيوت حكومية تستقبل النساء المُعنّفات والأطفال الذين يُعانون من قسوة الوالدين (المترجم).
(**) التحفظ الدفاعي الدنماركي كان بنداً يعفي الدنمارك من المشاركة في السياسة الدفاعية المشتركة للاتحاد الأوربي.
وقد أجرت الحكومة الحالية استفتاءً على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا جرى بموجبه إلغاء هذا التحفظ (المترجم)
٦ آذار ٢٠٢٤