التوسع الأمريكي في وسط آسيا دونه الإرث التاريخي الروسي

رزوق الغاوي:

لم تُخفِ الولايات المتحدة الأمريكية يوماً سيلان لعابها تجاه التوسع في بلدان الوسط الآسيوي، والعمل بداية عبر الطرق الدبلوماسية على اختراق العلاقات السياسية والاقتصادية والإنسانية الودية التي تربط روسيا بتلك المنطقة، وتالياً محاولة سحب البساط، ولو جزئياً أولاً، من تحتها، ومن ثم العمل على إفساد تلك العلاقات بما يخدم مستقبلاً أطماع الامبريالية الأمريكية المستمرة بنهب الثروات الوطنية للشعوب الأخرى، والأمر ذاته بالنسبة للصين ولو بقدر أقل ، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة في هذه المنطقة ولاسيما من خلال مشروع استثماراتها في طرق الحرير الجديدة التي تسعى واشتطن لتنفيذها بديلاً منافساً لطريق الحرير القديم .

وعلى الرغم من إدراكها للصعوبات التي ستواجهها في محاولة وضع هذا السيناريو العدائي موضع التنفيذ، تسوَّق الولايات المتحدة الأمريكية للتوسع في بلدان آسيا الوسطى، بوعود مختلفة لتلك البلدان، تتراوح بين إقامة مشاريع بناء وحماية استقلال! تشكل غطاءً لما تهدف إليه واشنطن من نوايا مبيتة علَها تفلح بإبعاد روسيا والصين عن تلك المنطقة تمهيداً لتحلّ هي فيها بدلاً منهما، متجاهلة حقيقة وجود مصالح عميقة وعلاقات راسخة لتلك البلدان مع موسكو وبكين، ما يجعل الرهان الأمريكي على إمكانية تحويل بدان آسيا الوسطى إلى خصم لروسيا خاسراً، إن لم نقل آيلاً للسقوط من بداية سلوك الطريق الوعر إليه.

منذ مطلع العام الفائت شرعت واشنطن في التحرك مجدداً على ساحة الوسط الآسيوي عبر جولة قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، شملت كازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان وطاجكستان وتركمانستان عارضاً عليها دعم واشنطن المالي ومساعدتها لتنويع طرق تجارتها، ووضع برامج خاصة بتطوير أنظمة الدفع الإلكتروني وتعليم اللغة الإنجليزية فيها لتكون اللغة البديلة عن اللغة الروسية وثقافتها إبان الحقبة السوفييتية، ومقدمة لقطع كل صلات الرحم، إن صح التعبير بين الوسط الآسيوي وأمه الحنون جمهورية الاتحاد الروسي، بما تكتزنه من مخزون متراكم من تلك الحقبة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وانسانياً.

وعلى الرغم من أنه ليس لدى الولايات المتحدة الأمريكية أية أوهام لجهة تخلِّي الجمهوريات الخمس عن شريكتها التاريخية روسيا، ولا بإمكانية رضوخ تلك الجمهوريات لمحاولات النيل الأمريكية من التأثير الصيني القوي، تمضي الادارة الأمريكية في لعب ورقة (الشريك الموثوق) على غرار ما تفعله في كل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية.

الكاتب الصيني تشاو هوا شينغ (الأستاذ في معهد الدراسات الدولية لجامعة فودان في شنغهاي وعضو نادي بكين الدولي للحوار)، يرى أن لا سبب يدعو دول وسط آسيا لإفساد علاقاتها مع روسيا التي تنتهج سياسة ودية تجاهها، خاصة أن العلاقات السياسية والاقتصادية والإنسانية والتفاعل الأمني بين روسيا وآسيا الوسطى مسألة مهمة للغاية لدول المنطقة، وتشكل لها أساساً مستقراً طويل الأجل.

ويرى شينغ أيضاً أنه (نظرا لموقعها الجغرافي والجيوسياسي الفريد، شكلت آسيا الوسطى دائماً مفترق طرق لمصالح القوى العظمى، حيث تنشط جميع القوى الكبرى تجاهها)، موضحاً أن هذا النشاط لا يشكل مشكلة لبلدانها إذا كانت تلك القوى على علاقة جيدة فيما بينها، كالعلاقات بين الصين وروسيا اللتين تتعاونان في آسيا الوسطى في القضايا الأمنية والاقتصادية منذ عام 1998 وأن السمة الرئيسية لعلاقاتهما هي التعاون الاستراتيجي الذي تجلى بشكل أساسي وعملي في تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2001.

لكن، في حال تورطت الولايات المتحدة الأمريكية في صراع حول الوسط الآسيوي وهذا أمرٌ مستبعد، فإن الغلبة ستكون من نصيب الثنائي الروسي ــ الصيني دون أدنى شك .

السبت 20/1/2024

العدد 1104 - 24/4/2024