يوم الترجمة العالمي وشغف اللغة

إعداد: أ. صفاء طعمة:

يحتفي العالم الأكاديمي في الثلاثين من شهر أيلول من كل عام بمناسبة اليوم العالمي للترجمة.

تعرّف الترجمة بأنها نقل النصوص من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف، وتوصف دائماً بأنها جسر يصل بين الثقافات المختلفة يعتمد على الإبداع والحس اللغوي، والقدرة على تقريب الثقافات المتنوعة والربط بينها والعمل على فتح سبل التواصل أمامهم، بغية شرح هوية واضحة حقيقية عن ثقافات الأمم المراد ترجمتها وتقديمها أمام باقي الشعوب المتنوعة، إضافة إلى الاستفادة من خبرات الآخرين.

وفي معرض الحديث عن الشخصيات التي أغرمت بالثقافة العربية المشرقية ولغتها الرشيقة الغنية، وعملت على دخولها من بوابة الترجمة وتشجيعها، لا بد من ذكر الطبيب والمعلم (كورنيليوس فان دايك)، ويمكن القول عن المعلم (فان ديك) إنه مستشرق وأديب وعالم وطبيب ومدرس أمريكي الجنسية، ساهم بشكل فعال في النهضة العربية وأسس في لبنان بالتعاون مع رواد النهضة في ذلك الوقت، إلى جانب المستشفيات، المدارس العربية، التي استخدمت اللغة العربية في مناهجها التدريسية، كما ألف وكتب كتباً أكاديمية باللغة العربية، وكان من المساهمين في تأسيس الجامعة الأمريكية في بيروت.

لُقب بـ(أستاذ سورية الكبير) و(فيلسوف الشرق).

ولد فان ديك في نيويورك عام 1818 وانتقل أربعينيات القرن الثامن عشر إلى بيروت مع البعثات التبشيرية الإنجيلية آنذاك، تعلّم العربيّة على يد المعلّم (ميخائيل عرمان) في القدس وعند قدومه إلى بيروت تعرف على المعلم بطرس البستاني وأسس معه عدة مدارس، في عين عنتوب ودير القمر ومدرسة (عبيّه) حيث درس فيها وعمل مع الشيخ البستاني على وضع الكتب المدرسية فيها باللغة العربية.

اشترك المعلمان فان ديك والبستاني في النّشاط الّذي كانت تقوم به الجمعيّة السوريّة، وساهما في تنشيط أعمالها وتنظيمها وتأسيس مكتبتها القيّمة الّتي حَوَت نحو 500 مجلَّد.

كلفته الإرسالية الأمريكية في بيروت باستكمال الجزء الأكبر من ترجمة الكتاب المقدّس إلى اللغة العربية بعد وفاة إيلاي سميث Eli Smith، وقد أنهاها عام 1864. وقد ساعده على ذلك مثابرته وحبه للعربية الى جانب معرفة واسعة باللّغة اليونانيّة والعبرانيّة والسريانيّة والكلدانيّة واللغة العربية العامية أيضاً).

دعي للانضمام إلى هيئة التدريس في (الكلية السورية البروتستانتية) التي أصبحت لاحقاً (الجامعة الأمريكية) في بيروت وقد عمل فيها كأستاذ للطب وعلم الفلك. كما عمل على افتتاح مشفى للعيون ومرصد فلكيّ في حرم الجامعة جهزه بأمواله الخاصة.

كان فان ديك من محبي اللغة العربية ومشجعيها حتى في تدريس العلوم، وقد قدم استقالته من الجامعة في العام 1882 احتجاجاً على إصرار إدارتها اعتماد اللغة الإنكليزية في التعليم بدل اللغة العربية، وقال جملته الشهيرة: (إنني ما نزلت أرض الشام إلا لأخدم العرب بتدريس العلوم بلغتهم).

منحه آنذاك السلطان العثماني النيشان المجيدي من الدرجة الثالثة تقديراً لخدماته الجليلة في التدريس وبناء المدارس وتأليف الكتب العربية وإنشاء وتأسيس صروح العلم والأدب وتطبيبه للمرضى.

بعد اعتزاله ممارسة الطب، تابع فان ديك تأليف سلسلة من الكتب العلميّة، تحت عنوان (النّقش في الحجر)، التي تتناول مختلف الفنون العلميّة بطريقة مبسَّطة، وقد صدر منها ما بين سنة 1885 وسنة 1889 ثمانية أجزاء في العلوم الطبيعيّة والكيمياء والطّبيعيّات (الفيزياء) والجغرافيا الطّبيعيّة والجيولوجيا وعِلم الفَلَك والنبات والمنطِق.

توفي فان ديك يوم 13 تشرين الثاني من عام 1896 في بيروت، وقد أوصى بأن يُدفن في صمت تام بأرض الشام، دون أن يؤبّنه أحد ولا يرثيه شاعر ولا يخطب على قبره خطيب، وأن تُتلى على جثمانه الصلوات في الكنيسة باللغة العربية.

(الصورة المرفقة عن كتاب يتناول حياة الطبيب فان ديك من مكتبة قطر الوطنية).

 

العدد 1105 - 01/5/2024