الشوندر السكري بين سندان الزراعة ومطرقة الصناعة

سليمان أمين:

يعتبر الشوندر السكري زراعة استراتيجية في سورية، فهو يُعد من المحاصيل الهامة التي تستخدم في صناعة السكر والكحول والخمور والعديد من المنتجات الأخرى. وتتميز زراعة الشوندر السكري بأنها تتطلب كميات كبيرة من المياه والتربة الخصبة، وهذا ما يجعلها تناسب بعض المناطق في سورية التي تتميز بتوفر الموارد المائية والتربة الخصبة.

وتُعد زراعة الشوندر السكري في سورية أحد القطاعات الزراعية الهامة التي تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج السكر، وتقليل الاعتماد على واردات السكر من الخارج. وكانت الحكومة السورية قبل الحرب تشجع على زراعة الشوندر السكري، وتوفر الدعم والتسهيلات اللازمة للمزارعين لزراعة هذه المحصولات. على عكس ما يحدث اليوم بتنصل الحكومة من مسؤوليتها في دعم هذا المحصول الاستراتيجي زراعةً وصناعةً، ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها الاعتماد على استيراد السكر الذي يمسك زمامه تاجر واحد من سنوات، وعدم وجود خطة عملية برؤية واقعية في الاستثمار الزراعي والصناعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتج الوطني.

ولعل تنصّل وزراتي الزراعة والصناعة من تسويق محصول الشوندر السكري، في الفترة الماضية، كان أكبر كارثة بحق الزراعة والإنتاج الزراعي والصناعي الذي نحن بأمس الحاجة له اليوم للخروج من بوتقة التراجع الاقتصادي الذي انعكس بشكل مخيف وكارثي على المجتمع السوري. وبعد مناشدات كبيرة من قبل الفلاحين أعلنت وزارة الصناعة استلام محصول الشوندر السكري، ولكن بعد أن تلف الكثير من المحصول بسبب الهبوط و التعفن الذي أصابه نتيجة التأخر في قلعه وتسليمه، كما حددت تسعير الكيلو بثمن 400 ليرة للكيلو الواحد، لا تتناسب مع التكلفة التي دفعها الفلاح، بعد تخلي وزارة الزراعة عن دعم المحصول بالأسمدة والمازوت وغيرها من المستلزمات التي يجب تأمينها للفلاح بشكل مدعوم، وبعد تحديد مواعيد الاستلام حسب بيان وزارة الصناعة الذي نشر يوم الخميس الفائت (بتضافر جهود جميع الجهات المعنية بدأت شركة سكر تل سلحب عمليات استلام محصول الشوندر السكري من الفلاحين وفق العقود المبرمة معهم والقيام بوزنه وغسله وفرمه ضمن خط مخصص لهذه الغاية، على أن يتم نقله إلى ساحات التجفيف في مدينة حماة ضمن محلج الفداء، وشركة الإطارات، وشركة الأصواف، وشركة الغزل، إضافة إلى الساحات المتوفرة في شركة سكر تل سلحب).

والسؤال هنا: هل سيتم فرم المحصول لتحويله لعلف وعدم الاستفادة منه بالحصول على السكر وبعض الصناعات الأخرى، التي يمكن أن تؤمن ولو بشكل بسيط إنتاجاً محلياً يمكن تطويره في السنوات المقبلة ورفع معدل إنتاجه بشكل مدروس وعلمي أكثر بتشجيع الفلاحين على الزراعة وزيادة المساحات المزروعة، فقد بلغت المساحة المزروعة هذا العام 875 هكتاراً وقدر إنتاجها بنحو 36885 طناً.

للأسف حتى اليوم كل وزارة تكيل بمكيال مختلف دون التشاور فيما بينها حول خطط حقيقية وعلمية للخروج من الأزمات التي افتعلتها الحكومات التي سبقتها، والتي هدفت إلى القضاء على الإنتاج بما يصب بمصلحة التجار الذين يفرضون سيطرتهم كزعماء على الاقتصاد السوري.

محصول استراتيجي

لعل فريق حكومتنا الاقتصادي لا يعلم ما أهمية الشوندر السكري وماذا ينتج منه من صناعات مهمة جداً تحقق لبلدنا الاكتفاء الذاتي إذا استُثمِر بالشكل الصحيح كما كان سابقاً. تكمن أهمية الشوندر السكري بأنه محصول استراتيجي، ذلك أن الكيلو الواحد يحتوي على ١٥٠ غرام سكّر وقيمتها العلفية ١٥٠٠ ليرة، وفيها ٨٥٠ غرام علف رطب سعرها ١٥٠٠ ليرة، أي كيلو الشوندر يحتوي على مكونات علفيه بقيمة ٣٠٠٠ ليرة، وتكمن قيمته كعلف بعد تجارب أجريت على الأبقار أدت إلى زيادة إنتاج الحليب ٢٥% وأدى لتحسن في صحة الأبقار وقلت أمراضها، إضافة إلى أن الشوندر السكري يُصنَّع منه السيلاج ويستخرج منه الكحول الطبي الذي نستورده من الخارج، إضافة إلى إنتاج الخميرة التي تستخدمها المخابز في صناعة الخبز.

ختاماً

من الجدير بالذكر أن سورية تمتلك تاريخاً طويلاً في زراعة الشوندر السكري، وتعتبر من أهم الدول المنتجة للشوندر السكري في المنطقة، وقد ازدهرت هذه الزراعة في سنوات ما قبل الحرب بفضل التوسع في مساحات الزراعة وتطوير التقنيات الزراعية والإنتاجية، ما حقّق اكتفاءً ذاتياً وتصدير الفائض، وقد عُرف السكر السوري بجودته ونقائه. والآن تذهب كل هذه الإنجازات أدراج الرياح مع عواصف الحكومات التي قضت على الإنتاج وتدميره بمنهجها الذي اتبعته لإرضاء أصحاب المصالح من تجار الوطن وأمراء الحرب.

العدد 1105 - 01/5/2024