أسئلة وجودية

جمال نفّاع:

من خلال تتبّع المسار العام للفلسفة والفكر والعلم، يلاحظ أنه – هذه بديهية – انتقل من طورٍ إلى طور، وكان مرتبطاً بمستوى تطور قوى الإنتاج، وأيضاً كانت علاقات إنتاج الملكية المطلقة تضع، أحياناً كثيرة، العصيّ في العجلات لإيقاف نموها، وتقليص حجم مفاعيل الرؤى العلمية للطبيعة والحياة.

لم يكن هذا المسار من غير تضحيات، ولم يكن في اتجاه دائم التطور، بل كانت تنتابه أوجه القصور والعجز في فترات تاريخية محددة، وأثناء البحث والتقصي حول سبب تكوين ما يصطلح عليه العلم، يلاحظ أنه نتيجة لغريزة المعرفة وبحثاً عن حياة أفضل ولمعالجة الظواهر الطبيعية والإنسانية، ولتحديد رؤية دقيقة للوجود الإنساني والطبيعي والكوني، بما يحمله هذا الوجود من معانٍ زاخرة ومفاهيم ورؤى وتصورات ورسالات.

يعتبر علم النفس مختصّاً بتقلبات الطبيعة البشرية، وعلى أساس العلاقات الإنسانية القائمة ومستوى تطور الإنتاج، برزت عدة تيارات ومدارس، كل منها تطرح رؤيتها وفق مناهج مختلفة ومتناقضة أحياناً أخرى، ومن هنا يطرح سؤال على العلم في سياق بحثه في الطبيعة البشرية، هل التفكير مسبّب وعلّة وقهري؟  وبالتالي فإن الإنسان لا يستطيع إلا أن يفكّر وأحياناً بالحدود الدنيا، لكن، يطرح سؤال على العلم في هذه الحالة، وهو البحث في ماهية العلاقة بين نمط الإنتاج الفردي والجماعي في تشكيل تيارات الفكر الإنساني ومواقف مختلف الطبقات والشرائح والأمم والشعوب.

أما من ناحية أخرى، فيجب على العلم البحث في ماهية التفكير، وهل هو نتيجة لحاجات الانسان وطبيعته البشرية، وهل صحيح أنه يمكن للإنسان أن يريح نفسه من عناء التفكير أحياناً، وإذا كان التفكير (نتيجة)، فما هي دوافع التفكير؟ وما علاقة نمط الإنتاج به وبتحديد مآلاته التاريخية، وتغيراته الثورية أحياناً؟

هذه الأسئلة تطرح في سياق معرفة الطبيعة البشرية، لإنتاج رابطة انسانية تتفاعل بها مختلف القوميات والشعوب، مؤثراً ومتأثراً، متلقّيا ومحلّلاً ومنتجاً، للوصول إلى مستوى إنتاجي يقضي على الفقر والمرض والاستبداد، وكل المظاهر والقيم التي تقلّل وتحتقر قيمة الإنسان والطبيعة البشرية، وتسلّع الوجود.

العدد 1105 - 01/5/2024