ساعة الصفر.. هل هذه هي الحلقة الأخيرة من مسلسلنا الدرامي؟

(6/2/2023)

تهامة الدعبل:

لن ينسى السوريون ما استيقظوا عليه صباح هذا اليوم، فقد كانت أربعون ثانية كفيلة بأن تعيد لنا ألماً ووجعاً لمّا يلتئم بعد، وأن تهدم أحلاماً وآمالاً كانت تحاول أن تحفر طريقها بين ركامٍ خلّفته الحرب، لن أطيل الحديث في وصف تلك الحادثة، فكلنا عشنا تلك اللحظات ولكل منّا تجربته الخاصة خلالها، ونعي تماماً أن الصمت أبلغ من أي كلام يقال، غير أن هناك عدّة نقاط استوقفتني خلال الفترة الماضية وكان لا بدّ لي من الوقوف عندها.

أول سؤال خطر في ذهني هو، لماذا انهارت مبانٍ بأكملها في حين أن جاراتها بقيت صامدة؟ للأسف، فإن الجواب معروف بالنسبة للجميع، كيف لا وبلدنا قائمة على الأبنية العشوائية التي لا تتبع أيَّ معيار من معايير البناء؟ وتعجُّ بالمقاولين الجشعين إلى جانب انتشار الرشاوى وغياب الرقابة وعدم اللجوء إلى الاستشارات الهندسية المتخصصة؟

لكنَّ السؤال الذي يبقى عالقاً، تُرى هل سيفرُّ هؤلاء المقاولون بفعلتهم دون محاسبة؟ وهل سيبقى المسؤولون عن الرقابة والتفتيش يتقاضون الرشاوى مقابل تغاضيهم عن الأبنية العشوائية؟ أم أن هذا الزلزال قد هزَّ نفوسهم الهشَّة وأعاد لهم رشدهم؟

من ناحية أخرى، كان اللّافت للانتباه هو انتشار دعاة الخير وأصحاب التقوى والإيمان نتشار كالنار في الهشيم منذ لحظة حدوث الزلزال، يدعون الناس إلى الاتعاظ والتقوى ويتكهنون بأنَّ الزلزال حدث بسبب غضب الله عليهم، أو أنها علامة من علامات الساعة على من الرغم من أننا كلنا بتنا نعلم أن السبب المؤدي إلى حدوث الزلازل هو تصادم الصفائح التكتونية، والمناطق الواقعة عند التقاء هذه الصفائح معرضة للزلازل دائماً، أما مناطق الوسط فلا تحدث بها زلازل سواء سكنها كفار أم أنبياء.

وكي نحسمَ الجدل دعونا نكون أكثر تأدُّباً مع الخالق، فقد قال تعالى: ﴿يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ [الأعراف: 187]، فإن كان الله قد أقرَّ بأنَّ علم الساعة خفيٌّ علينا ولا يعلمه إلاّ هو فبأيِّ حقٍّ تتطاول وتتكهَّن باقتراب موعدها؟

وهناك سؤال يُطرح على من يقولون إن الزلزال هو غضب من الله، فمن سمح لكم أن تقولوا أن هذه الكارثة هي غضب من الله؟ من أنتم حتى تقرّروا عن الله وتعتبروا أنفسكم أوصياء الله في الأرض؟

وحتى لو كان كذلك، فإن الناس في هذا الوقت بحاجة إلى كلمة طيبة تُخمد نار قلبها المفجوع، أو معطف يقيها برد هذا الشتاء، وليست بحاجة إلى مواعظ جوفاء، فإن لم يكن لديك كلمة طيبة لتقولها فلا تقل شيئاً على الإطلاق.. قال رسول الله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

لكن، وعلى الرغم من هذا كله يبقى هناك جانب إيجابي لهذا الزلزال، فقد جلا الأحقاد ورأينا الشعب السوري يداً واحدة يهبُّ كخلية النحل لمساعدة الآخرين رامياً خلف ظهره جميع انتماءاته السياسية والدينية وغيرها، وكان انتماؤه الوحيد لبلده وللإنسانية فقط، كما شهدنا تضامناً عربياً لم نشهده منذ عام 1973 خلال حرب تشرين التحريرية، ولكن.. ماذا بعد؟

هذه المواقف وحدها لا تكفي، فالشباب لن يستطيعوا التوقّف عن دراستهم لوقت طويل في سبيل مساعدة المنكوبين، وأصحاب العقارات والمحلات التجارية والصيدليات لن يبقوا قادرين على تقدمة خدماتهم بالمجان وقتاً طويلاً، لذا لا بدّ من حلٍّ جذري مدروس تقدمه الحكومة من توفير مساكن آمنة لمن فقد منزله، وفرص عمل جديدة وعلاج جسدي ونفسي بعيداً عن فكرة القروض المقدمة أخيراً، إذ إن مبلغ 225 ألف ليرة مبلغ لا يقوى المواطن السوري على تحمّله كلَّ شهر من قبل حدوث الزلزال فكيف بعد حدوثه؟ ثمَّ إنَّ إعادة الترميم مسؤولية المواطنين أم المسؤولين عن هذه الكارثة؟

أمّا أخيراً، فدعونا نتعلّم ممّا حدث في زلزال سومطرة عام 2004، فقد انتهت الحرب الأهلية واجتمع الطرفان للتركيز على التعافي والنهوض من جديد، ولا بدّ من اغتنام هذه الفرصة لتحسين البنية التحتية وحلِّ الخلافات السياسية في سورية وتركيا.

وفي الختام لا يسعنا سوى الدعاء بالرحمة لشهداء الزلزال والشفاء العاجل للمصابين والصبر والسلوان لكل من فقد أحبابه ومنزله عسى أن تكون هذه هي الحلقة الأخيرة في مسلسلنا الدرامي، وتكون هذه المحنة والكارثة هدية من السماء حتى تتحرّك المياه الراكدة سياسياً واجتماعياً وإنسانياً.

العدد 1107 - 22/5/2024