الملحمة

ياسمين تيسير أبو ترابي:

دخانٌ أسودٌ تناثرَ في الهواءِ الطلقِ ذاتَ يومٍ، ومذّاك إلى يومنا هذا، ينتقلُ بينَ المجتمعاتِ العربيةِ حاملاً معهَ النزعة العنصرية والظلم والبطش، بأقنعةٍ مزيفةٍ لا تكشف سوى أنقاض الرّماد.

ارحموا من في الأرضِ يرحمكم من في السّماءِ، فحقاً لم يبقَ رمق لنصرخ بنجاةٍ كونيةٍ تُخلّصنا من غابةٍ وحشيةٍ لا تعرف الرحمةَ الإلهية، بعيدين كلَّ البعدِ عن اسمِ العروبةِ وعرقِ الانتماءِ.   لا نرى سوى سياسة القمع، هواجس جامحةٌ لطرائدِ العدالةِ، تجعلنا نتطايرُ بلا هدفٍ، بلا روح!

فأيّة عدالة تقبل هذا الوضع المأساوي؟

خُلِقْنا في بلادٍ كانَ عنوانها الحضارةَ والأمانَ، أمّا الآنَ فقد أصبحَ الزمن زمن الموت أينما كان، في البحرِ غرقاً، في الشوارعِ قصفاً، في البيوتِ زلزالاً، في العملِ فقراً.

مازالتْ أصواتَ المدافعَ تقصفُ روحي في كلِّ ثانيةٍ، ومازالتْ صورةَ ذاكَ الطفل أمامي منتظراً يدَ أحدهم لينشلهُ من الحضيضِ.

كلّ شيءٍ ضاقَ، ضاقَ حتّى ضاعتْ النفوس.

لم يبقَ للعشاقِ غيرُ اليأسِ، نفدتْ أمانينا، ونفدتْ مرامينا، عُصارة روحنا نفدتْ وما نفد الكلام.

فمازلتم من فصائلِ اللاإنسانية المجرّدة من العطفِ والسّلام.

ومن لا يعرف الشعبَ السوريّ، لن يفهمْ شيئاً من قوة الإرادةِ والصمودِ الّذي عاشه هذا الشعب.

فأيديكم كانتْ مسامير على رؤوسهم، وأرجلكم خشباً تقتلون بها الصغير والكبير والطفل الرضيع، لكنّ كلماتهم قد خلقت داخلكم حرباً دامية بمشاعر متأجّجة، فلا تستغربوا من ابتسامتهم رغمَ الذلّ والهوان ومصائب الدنيا.

ها هي ذي المُكبّلة أمامكم وأنتم ذئابٌ ماكرةٌ تجتمعونَ على كتلةِ رحمةٍ وطيبةٍ، لعلّها تؤدبكم قليلاً.

فأنتم تقتلون شعباً، يتربّعُ في صدره إيمانٌ عظيم، وفي يدهِ رايةِ النّصر رغمَ الأنقاض والرماد في وطنه.

والآن نامي يا روحُ، فهذه آخرُ الأحلامِ نُطلقها على عجلٍ ونرحل بسلامٍ.

العدد 1105 - 01/5/2024