المهر في المجتمع السوري.. حفظٌ للحقوق أم تسليعٌ للمرأة؟!

تهامة الدعبل:

تنازلت سيلين (٢٥ عاماً) عن مهرها المُقدَّر بـخمس ليرات ذهبية، رافعةً دعوى خلع على زوجها في سبيل أن تحصل على حريتها، مع أنَّ الوضع المادي لزوجها يسمح له بدفع المبلغ المتفق عليه، وقالت: (لم يعد بإمكاني تحمّل ضربه المبرح وإهانته لي، لقد تنازلت عن مهري في سبيل حصولي على كرامتي).

وفي واقعٍ موازٍ تقول رهف: (لقد اتفقتُ مع زوجي على مهر مُحدّد، وأنا أحاول إقناعه الآن لرفع هذا المبلغ إلى الضعف، فأنا أريد أن أضمن حقي في حال حدث طلاق).

هاتان قصتان من واقعنا الذي نعيشه، فمسألة المهر باتت من الأحاديث السائدة هذه الأيام، لا سيَّما أن كثيراً من الأهل يرفضون تزويج بناتهم بأقلِّ من المهر الذي يريدونه، بحجّة أنهم يحفظون حقوق بناتهم، فضلاً عن التكاليف الخيالية من أثاث وتكاليف حفل الزفاف وغيرها، ولهذا يعزف كثيرٌ من الشباب عن التفكير بالزواج.

بدايةً علينا إدراك الأسباب التي تدفعنا إلى الزواج، وهذا ما يظنُّ كثير من الناس أنَّ إجابته بديهية، فيقول: (لأكمل نصف ديني) أو (لأنَّ الزواج سنّة الكون وغريزة زرعها الله فينا)، ومنهم من يكون لديه إجابة عاطفية فيقول: (لأتمِّم قصة حبي بزواجي ممَّن أحب)، أو (والداي يريدان أن أجلب لهما حفيداً) أو (أخاف من أن أصبح عانساً)، وإجابات كثيرة لا تُعَدُّ ولا تُحصَى.

ولكن للأسف فإنَّ هذه الإجابات بمجملها خاطئة، فالزواج ليس مجرَّد حفلة رائعة نرتدي فيها زيَّاً رسمياً ونرقص ونفرح بحضور عدد من الأصدقاء والأقارب، بل هو أكوام من المسؤوليات التي علينا أن نتحمّلها ونكون على قدرها، فنتائج الزواج الفاشل سيتحمَّلها أطفال ليس لهم ذنب سوى أنَّهم وُلدوا في أسرة بُنِيَت على أساس ضعيف، وكذلك ستترتب نتائج هذا الزواج على المجتمع كله، على اعتبار أنَّ الأسرة هي نواته الأولى. لذا في بادئ الأمر علينا اختيار شريك حياة مناسباً يشبهنا إلى حدٍّ ما، ولا أقصد هنا التطابق وعدم الاختلاف، فالاختلاف ضروري، بل أعني التشابه في أسلوب الحياة، ومعالجة الأمور، وتربية الأطفال ومناحي الحياة الأساسية، حتى نستطيع معاً تحمّل الحياة وأعبائها المتزايدة.

وبعد اختيار الشريك المناسب يمكننا التفكير في مسألة المهر والزفاف وغيرها.

قبل عام 2011 كان مهر الفتاة يُحدَّد وفقاً لجمالها أو علمها أو نَسبِ أسرتها، وهذا تسليع للمرأة، وظلم كبير للرجل والمرأة على حدٍّ سواء، فالمرأة تُقدَّر قيمتها حسب درجة جمالها ضمن المعايير العامة للمجتمع، والرجل الذي لا يملك مالاً وفيراً لا يحقُّ له الزواج بفتاة جميلة لأنَّه لا يملك ثمنها (مهرها)، أما بعد بداية الحرب في سورية فكثير من الفتيات اللواتي تزوجّن مقابل منزل يأوي أهلهنَّ أو أرض ينتفع والدها بها أو من دون مهرٍ. أما بعد جائحة كورونا وارتفاع الأسعار وتدهور قيمة الليرة، فمنهم من لم يطلب مهراً من منطلق الرأفة بظروف الشباب، ومنهم من طلب مهراً خيالياً من منطلق حفظ حق ابنته، وقد سُجِّلَت حالات طلب فيها والد الفتاة مهر ١٠٠ ليرة فقط، قائلاً: (أنا لا أبيع ابنتي، يكفيني أنني زوجتها برجل ذي خلق كريم سيخاف ربه بها).

ربما كان المهر يحفظ حقَّ المرأة في أوقات كانت المرأة لا حول ولا قوة لها، فإذا تطلَّقتْ لن تقدر على العمل وتربية أطفالها، وستُضطَر للبقاء تحت رحمة ذويها أو إخوتها. ولأن الطلاق كان عاراً، كان المهر يُجبر الزوج على التفكير مليَّاً قبل أن يُطلّق زوجته.

أما في أيامنا هذه ومع تغيّر الظروف والمفاهيم وكثير من العادات السائدة، فقد أصبح المهر غير حافظٍ لحقوق المرأة، ففي حالات كثيرة كما حدث مع (سيلين) يرفض الزوج أن يُطلّق زوجته إلاّ بعد تنازلها عن جميع حقوقها، فتصل في أحيانٍ كثيرة إلى حدِّ إجبارها على التنازل عن حضانة أطفالها. ومع تدني قيمة الليرة فقد يكون المهر المُحدَّد قد فقد قيمته تماماً، ولا يوجد قانون يفرض على الزوج تعديل قيمة المهر بما يوافق القيمة الحالية لليرة، ففي قانون الأحوال الشخصية السوري ليس هناك حدٌّ لأقلِّ المهر أو أكثره، ولا يتمُّ تعديل المهر إلاّ بموافقة الطرفين معاً، ولا تقوم المحكمة بتعديله من تلقاء نفسها، كما لا ينظر القاضي في هذا الأمر إلا في حال كانت قيمته متدنية جداً دون 10 آلاف ليرة سورية، فتُعدّل المحكمة قيمته لتصبح 200 ألف ليرة سورية، أي إنَّ المرأة خاسرة في جميع الحالات. لذا فإنَّ الحل الأنسب هو التّخلي عن عُرف المهر الذي لا فائدة منه سوى أنَّه يُثقل كاهل الشبَّان ويغرقهم في الديون من جهة، ويُعرقل الطلاق الذي قد يكون ضرورياً في مرحلة أو حالة ما.

في ظلّ هذه الظروف التي نعيشها علينا أن ندرك أن الزواج مؤسسة سامية تقوم على المحبة والمودة والتشارك معاً في جميع جوانب الحياة، وتأسيس أسرة ناجحة سيؤدي حتماً إلى مجتمع ناجح ومستقبل أفضل، ويبقى الضمان الوحيد لنجاح هذه المؤسسة وحفظ المرأة لحقوقها هو التروي في اختيار الشريك المناسب وإكمالها تعليمها وعملها واستقلالها المادي، أما ما دون ذلك كله فدائما سيجد فيه الزوج مخرجاً لنفسه ليتملّص من دفع المهر المُستَحق.

وكما تقول نوال السعداوي: (علّموا بناتكم الاستقلال المادي حتى يبحثن عن رفيق للحياة وليس عن عائل، وعلّموا أبناءكم الاستقلال المنزلي حتى يبحثوا عن حبيبة وليس عن خادمة!).

العدد 1105 - 01/5/2024