(غريزتي) ليست الأمومة.. مسؤوليةٌ تقع على عاتق النساء منذ الولادة

نور سليمان:

(كل عيد أمّ وأنا من الفرقة الناجية من الأمومة!).. جملة نشرتُها في عيد الأم وأتداولها كثيراً، وأحاول دائماً الحفاظ عليها في عقلي دون تشويه، فالأمومة أمر صعب، متعب، ومؤلم، دائماً أشعرُ أنني غير مهيّأة لعيش هذه التجربة، رغم رفض الكثيرين والكثيرات لها، لكنها تحميني داخل هذا العالم القاسي والمزعج والصعب. أفكرُ دائماً كيف أستطيع الإنجاب في هذه الحياة دون وجود مقومات طبيعية للعيش فيها؟ كيف أستطيع تحمّل وجع وألم الولادة والحمل والرضاعة لشخص سوف يخرج مني ولن يكون معي يوماً ما، لأن الحياة علمتنا أننا أولادها أكتر من أهالينا الذين أنجبونا!؟

فكرة الإنجاب على مرّ العقود كانت محور حياة المرأة، والمجتمع، كان يُنظر إليها على أنّها خُلقت لإنجاب الوريث الشرعيّ لعائلة الزوج، وفخر عائلتها إن كانت منجبة، ويجب عليها أن تحصل على (وسام الشرف)، أما إن كانت لا تستطيع الإنجاب فهي حتماً ستوضع على الرفّ، وتُقتلُ داخل منزلٍ جميع من فيه يراها لا فائدة منها. نولدُ كفتياتٍ في مجتمعاتنا جاهزات لتولّي الأمومة، فنحن نكتسبُ الخبرات طيلة حياتنا، وقد نضطرّ للزواج رغبةً في الإنجاب التي يعتبرها بعض المختصين غريزة أقوى من (الجنس)، وجزءاً من أجسادنا كنساء.

تقولُ صديقتي: (فكرة الحمل والولادة بنفر منها، وفكرة أنّني مسؤولة عن رعاية وتربية شخص طول عمري كمان بنفر منها)، وكانت دائماً تضع تفسيرات للجميع حول اتخاذها مثل هذا القرار، وبعد سنوات باتَ جوابها: (زمان كان بدّي أتبنّى، بدون تفسيرات إضافية براسي، هلّا بّدي أتبنّى إحساساً بالذنب تجاه الأطفال المتروكة، ذنب وواجب بعيداً عن أنّه رغبة بالأمومة).

هذا الكلام باتَ يجولُ في عقلي كثيراً، فالعالم لا يحتملُ أطفالاً أكثر، فماذا نفعلُ بالأيتام؟

البعض من السيدات يرين أنّ الأمومة تُنقصُ من أنوثتهنّ، والأخريات يرين أنّها أمنيةٌ من الواجبِ أن تتحقق، لكنّني إلى الآن لا أرى نفسي في أيّ خيار، رغم محبتي الفائضة للأطفال، إلاّ أنّ عقلي يمنعني من الانسياق تجاه ما ولدنا عليه مقارنةً بالواقع، لا أستطيعُ التفكير في هذا الأمر وأنا محكومةٌ بالمستقبل، والعمل، واختيار الرجل المناسب إن وجد!

ومنهم من يصف المرأة بـ(الأمّ) دائماً حتى وإن كانت عزباء، ولكننا كنساء نستطيع تقديم العواطف الصادقة بعيداً عن فكرة أن نكون أمهات لأحد، فالعواطف لا تحوّلنا لأمهات، وهي ليست التعبير الأهم والوحيد عن مشاعرنا، والحقيقة العظمى أنّني وأخريات لا نريد أن نكون أمهات لا فعلياً ولا مجازاً.

الأمومة إلى الآن موضع جدل كبير، وكلمةُ (غريزة) المتبوعة دائماً بفكرة الأمومة هي ما تضعنا أمام (حيونة الإنسان)، ولكن هناك فرق بينهما شاسع، الإنسان لديه عقل، وعي يستطيع تحديد ما يريد. الموجع في مصطلح (الأمومة) هو الاضطهاد الذي تعاني منه النساء بسببه، وبسبب الواجبات الأخلاقية والعائلية التي تُجبَر عليها النساء ككلّ.

العدد 1107 - 22/5/2024