شيء يشبه الحرية.. يشبه الحب

بشار حبال:

  • ما بالك شاردة، حورية؟!
  • أنا أفكر بحالتنا الشاردة.
  • ما رأيكِ أن تفكري بصوت مسموع، أشعلي سيكارة أولاً!
  • متى سنتزوج مروان؟ نحن نعيش علاقة حب منذ عدة سنوات، لقد تعبت من طبيعة علاقتنا، تعبت من الحيرة واللامبالاة التي تمارسها وتعب جسدي الممزق بين فراشي هناك وفراشك هنا، قل لي متى سأنام دون أفكر بما يجب أن أفعله غداً، بكل طمأنينة وراحة بال، ألم تتعب من الفوضى التي تعيشها، غرفتك تشبه أعشاشاً للطيور، ولا تعرف الليل من النهار، ألا تحتاج إلى مساحة من النظافة والترتيب كي تهدأ روحك من أجل أن تنجز ما ترغب فيه، ألا تحتاج..
  • يكفي رحاب، أرجوك أن تتوقفي عن عزف تلك النغمة كل فترة، متى نتزوج مروان وكأننا ناقشنا تلك الفكرة ولم يبقَ غير تحديد الوقت، وهذا لم يحدث كما تعلمين إطلاقاً، تلميحاتك لهذا الأمر هو ما يجعلك تعتقدين ذلك، لو سألتني ألا تفكر بالزواج (وهو الأصح كسؤال) لكنت أجبتك.
  • تفضّل أجبني إذا كان سؤالي غير صحيح.
  • من قال لك إنني أفكر في الزواج، أنت قولي لي هل أنا رجل صالح للزواج؟ هل أنفع أن أكون مسؤولاً عن أسرة وأطفال؟ قلتِ منذ قليل إنني أعيش في عش للطيور، أنا يا حبيبتي أعيش في وكر للكلاب وغير صالح لبناء أسرة، الأسرة تحتاج إلى عقل بارد ومنظم يعرف ما يريد، أو توقف عن السؤال عن ما يريد واكتفى بالسير على طريق يعرف بدايته ونهايته، ينام ويستيقظ بوقت محدد ويذهب إلى السوق ليشتري حاجات البيت من طعام وشراب، أنا أعتاش على القلق كما تقولين وأرفض السكينة التي تليق بالمعابد، الترتيب والنظام يجعلني مثل المسطرة مقطّعاً وبدقّة متناهية إلى مليمترات ثم سنتمترات، ثم أمتار، يصلح لعمل واحد وحيد هو القياس، أنا لست آلة ولا أداة، أنا حالة هاربة من السرير والملاءات الأنيقة والمرتبة، كل ما أعرفه الآن أنني منذ أشهر لم أمسك الريشة بيدي، ولم أخط لوناً واحداً على بياض اللوحة التي أمامك، مليون فكرة برأسي لكني لا أستطيع أن أرسم فكرة واحدة، ما حاجتي إلى الزواج؟ لأضيف مشكلة جديدة إلى حياتي، أم من أجلك، من أجل الأطفال، من أجل الطعام والشراب، من أجل ماذا سأتزوج؟ هل تشعرين بالخوف من المستقبل، مثل أن أهجرك بسبب فوضايَ، ممّ تخافين؟ نحن نعيش قصة حب متفردة ولها جناحان من الحرية تجعلنا نحلق كما نرغب، أنت تمارسين كل الحرية بحياتك ولم أسألك يوماً لماذا تأخرت، أو لماذا لم تأتي كعادتك، وأنا أفعل الأمر ذاته، لماذا تبحثين عن قيود تشدّنا إلى الجدران؟ لماذا تبحثين عن قفل كبير معلق بأقدامنا؟ غريب أمركنّ أنتنّ النساء! دائماً يبحثن عمّن يتعلّق بثيابهنّ، وينغّص عليهن فضاءات الحياة الرحيبة، هل تفهمين عليّ رحاب؟ لا أريد أن أشوّه قلبك الأبيض والنظيف، لكن أرجوك كفي عن هذه الفكرة لأنها تقتل ما جمعنا في يوم ما وما يزال يجمعنا. وإذا كانت تلك الحرية تجعلك حائرة ومشوّشة، فابحثي عن قيد لست طرفاً فيه.
  • مروان، أنت فعلاً لم تعدني بالزواج في أي يوم، أنت محقّ بذلك وأمين أيضاً، ولكن منطق الحياة لا يستقيم بالحرية التي تتحدث عنها، حرية من دون ضفاف، لا توجد حرية من أجل الحرية، الحرية في الأخير مسؤولية تجاه ذواتنا وتجاه الآخر، حتى الكلاب تبني بغريزتها عائلة، أنا لست موديلاً للوحاتك تعبث بخطوطها بناء على مزاج اللحظة الراهنة، أنا امرأة من لحم ودم، أحب أن أبدو جميلة في الحياة كما هي جميلة في اللوحة، أنا أبحث عن الأمومة والدفء العميق وليس عن قيود، أبحث عن غريزة البقاء بصوت جديد ينادي ماما، وهذا لا يهمّش الحرية التي تتحدث عنها، هذه هي الحياة التي يجب أن ترسمها، وأن تعيش من أجلها وليس عليها.
  • رحاب، أرجوك اسمعيني، أنتِ لست موديلاً ولم تكوني يوماً كذلك، كنت أسكب ألوان قلبي حين أرسمك على بياض اللوحة المفتوحة على المدى، أنت شيء جميل لا أريد أن أخسره في تفاصيل الأيام الرتيبة. القلق يجمعنا معاً ولكن الفرق بيني وبينك أنك تبحثين عن الاقتراب أكثر إلى حد الالتصاق لنغدو واحداً، وأنا أبحث عن تلك المسافة التي تجعل الريح تمر بيننا دون أن نسقط، تلك هي المسألة وليس أكثر.
  • مروان، أنا لا أفرض نفسي عليك، وإنما أدعوك لنغوص في نهر الحب الذي بيننا، أن نغتسل به ونتشمس على ضفافة، أناديك لنشوة الحب وهو يزهر ألواناً جديدة تحت السماء، إلى حقائق الحياة البسيطة المرسومة على وجه طفل حين يعود أبوه إلى البيت، تلك اللوحة لماذا لا تريد أن تراها، لماذا تريد أن تهرب من الطفل الذي بداخلك والذي خطف قلبي وجعل منك فناناً، القلق والفوضى التي تعيشها هي أنك لا تعرف ماذا تريد بعد دقيقة من الآن، أنا أمنحك فرصة الأمان لتلك الدقيقة أو الساعة التي تبحث عنها، وطوق نجاة لمركب حياتك المليء بالثقوب التي تحفرها بيدك يوماً بعد يوم.
  • الطوق! تلك الفكرة تصيبني بالجنون، هو الطوق الذي تتحدثين عنه الذي يجعلني مربوطاً كعمود إلى الأرض هو ما يخيفني، أنتِ تبحثين عن طوق من أجلي وأنا كل ما أبحث عنه هو الهروب من أي طوق حتى لو كان أنتِ، عليك أن تختاري بين الحرية والطوق الوردي الذي يرسمه خيالك.
  • أنا لا أنتظرك لتخيّرني، هو شأني دائماً وأبداً، لا شكّ، أنا حرّة في الخيار.. عندما يتوفر لي أكثر من خيار، أنت تدعوني أن أختار بين السيئ والأسوأ، أن أعيش على صوت الريح العابر بيننا أو أن أبيع جسدي لأول عابر سبيل، وأن أهيم في الشوارع وأنادي: من يتزوجني لأن رجلاً أحبني وأحببته لا يرغب بذلك؟!

2018

العدد 1105 - 01/5/2024