كلُّ ما زادَ عن حدّه انقلبَ ضدّه!

 التفاؤل يؤدي إلى التشاؤم

نور سليمان:

الأسلوب الأمثل لمواجهةِ الأزمات والتأقلم معها عندما تشتدّ هي أن نرسمَ ابتسامةً عريضةً، تشيرُ للآخرين أنّنا في قمة السعادة.

كثير من الناس تعتبرُ أنّ النظر إلى الأمور الإيجابية أمر مهمّ خلال النكبات والأحداث، ما تجعلهم ممتنّين لهذه الأحداث، وفي نظرهم المشاعر السلبية هي من مظاهر الفشل والضعف.

نظرتنا إلى المصاعب والتحديات لا تؤثّر فقط على الطريقة التي نتأقلم بها، بل تبني شيئاً فشيئاً شخصياتنا، فالإفراط في الإيجابية قد يورث الشعور بالذنب والخزي والأمل الكاذب أمام الواقع المؤلم. الخوف والقلق مشاعر هي جزء من الطبيعة البشرية، وأحد الحلول الجيدة لهذا التفاؤل هو استفزاز العقل بالآراء المعاكسة لتوقعاتنا الذهنية، وتبنّيها والبدء في محاولة حلّ هذه المعضلة، والتعامل بجدية وواقعية.

التفكير الإيجابي بصورة متواصلة يمكن أن يحوّلنا إلى كسالى، بل على العكس يجعلنا نرضخ لهذه المشاعر بكلّ رضا، لذلك من الضروري التوازن بين التفكير الإيجابي والواقع الذي نعيشه، حتى لا يصطدم المرء بالظروف التي ستواجهه. واصطدامه بها قد يولّد التوتّر الدائم وتقليص القدرة على الإنتاج والعمل، ممّا يجعل الفرد غير مهيّأ لتلقي الصدمات وتخطّي الصعوبات، لأنه وبكل بساطة يعيش في جوّ من الاطمئنان والسعادة الخياليين بشكل مستمر.

عند بداية كلّ عام جديد تتوالى أمامنا كلمات المنجّمين الذين يبيعون لنا التفاؤل، داعين الشعوب لرؤية النصف الممتلئ من الكأس، وأنّ التفاؤل يجلب المال والسعادة والحظ، ولكنّهم يتناسون تذكيرنا بأنّه أيضاً يؤدي إلى الإحباط والألم، بل وقد يتنبؤون بالمستقبل نتيجة هذه التخيّلات التي يعيشونها في أدمغتهم، إضافة إلى المبالغة في تقدير الذات دون أي جهد يذكر، ولكن لا عمل دون جهد وتعب، ولا نتائج ستظهر.

(كلُّ ما زاد عن حدّه انقلبَ ضدّه) جملةٌ نسمعها كثيراً ولربما هنا يجوز إسقاطها، فبعض حالات التفاؤل المفرط تؤدي إلى التشاؤم المفرط، ما يصيب الإنسان بالجمود وعدم القدرة على اتخاذ قرار صحيح في حياته، لأنه وبكل بساطة لن يستطيع الإقدام على المخاطر.

في سورية لا شيء يدعو للتفاؤل، نحن نعمل كالآلات، نعيشُ أيامنا مع بقايا الأمل الذي ولدَ معنا، التفاؤل هو القدرة على امتلاك ذلك الأمل مع إمكانية تجاوز المصاعب، ولكن هل فعلاً نحن تجاوزنا المصاعب أم قد تأقلمنا معها؟

علينا أن ندرك جيداً أنّ تقدّم العالم يُبنى على العقل، وانبثاق آثاره لا يعني فناء السوء، أو انحدار الشر بشكل مطلق، فالعالم لن يتقدم بالتفاؤل المفرط والتمنّي الساذج للخير فقط، بل بالخير والشرّ معاً، فهما جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية والحياتية، كالحظّ السيئ والجيد، وعلينا فهم أسباب صراعهما الأزلي العميق، فالعلم الصحيح كانَ أساس بناء المدينة الفاضلة التي تحدث عنها ابن رشد، رغم الخلافات السياسية التي عاصرها والاستبداد إلاّ أنّه استطاع إسقاط المبادئ الأساسية لبناء مدينة تقوم على العقل والحكمة والسياسة، ثمّ الأخلاق.

العدد 1107 - 22/5/2024