الإرث للأقوى

نور سليمان:

تعرّضت المرأة على مدى التّاريخ لهيمنة السّلطة الأبويّة أو الذّكورية، ولم تقتصر على استعبَادها وبيعها وحرمانها حقوقها والتّحكّم بجسدِها، بل توسّعت دائرة العنف أكثر في إجحافها وحرمانها من حقّها في الميراث الذي يُعتبرُ قضيةً شائكة إلى يومنا هذا، فقضية الإرث والميراث من أقدم القضايا المتعلقة بالعادات والتّقاليد المتوارثة في المجتمعات الإنسانيّة والحضارات، فقد خصّوا بالإرث الرِّجال الأقوياء الذين يُقاتلون ويُدافعون عن الأرض ويحمون أهل العشيرة من الأعداء، لذا توارثت مختلف الحضارات هذه العادة السَّيِّئة في حرمان النِّساء والضُّعفاء والذُّكور الصِّغار الذين لا يشاركون في المعارك لصغر سنِّهم.

وبناءً على هذا الاعتقاد حرموا المرأة من الإرث، بسبب عجزها عن المشاركة في الدِّفاع عن القبيلة كما هو حال الرَّجل، ومن جهة أخرى كان سبب حرمانها من الإرث خشية انتقال المال، بزواج البنت، من بيت أبيها وأخيها إلى بيت زوجها، إضافةً إلى توارث العرب في الجاهليّة الأموال بالوصيّة، وإن لم توجد (الوصية) تُصرفُ الأموال إلى الأبناء الذّكور دون الإناث، أي نستطيع القول: إنّ العرب في الجاهلية، لم يكن لهم نظام ارث مستقل أو خاص بهم، إنّما ساروا على نهج الأمم الشرقية.

وبعد مجيء الإسلام أعطى المرأة حقّها في الميراث، ولكن ضمن حالات معينة مراعياً حالها في العائلة سواء أكانت ابنة أو زوجة أو أختاً أو أمّاً، أي أنّه نظر إلى الحاجة فأعطى الأكثر احتياجاً نصيباً أكبر من الأقل احتياجاً، ولذلك كان حظّ الأبناء أكبر من حظّ الآباء، لأنّ الأبناء على موعدٍ مع مستقبل وحياة، مثلما كان للذّكر أيضاً مثل حظ الأنثيين في معظم الأحيان.

وبالنّظر إلى حال المرأة السّورية اليوم أمام ما تتعرّض له من واقع مرير، وأزمات متتالية على كل الأصعدة، فقد أصبحت كفيلة بأفراد العائلة في معظم الحالات نتيجة غياب الأب، ورغم ذلك العبء إلاّ أنّ القانون حتّى اليوم لم ينصفها في أغلب الحالات، من خلال الخروقات المجتمعيّة التي تسمح للمعنّف سواء لفظيّاً أو فعليّاً بالتّحكّم وتسيير القانون لصالحه، وجعلها أداة يتمّ التّحكّم بها (بحسب العادات المجتمعيّة التي ما زالت تُمارَس إلى يومنا هذا)، ففي بعض المناطق تقبل المرأة الحصول على نسبة أقلّ من الورثة مقابل تهديدَها بانهيار علاقاتها العائلية، إضافة إلى ما عزّزته سنوات الحرب من لجوء النّساء إلى الاهتمام بأساسيّات الحياة، بعيداً عن المطالبة بحقوقهنّ. يقول المحامي رامي حامد: (قانون الأحوال الشّخصية بالكامل يستند إلى الشّريعة الإسلامية، وفي سورية مذهب الأغلبية المذهب الحنفي، لذلك معظم الأحكام الشرعية تستند للمذهب الحنفي).

وحول حصول خروقات للقانون ولم تحصل المرأة على حقها، قال: (عليها رفع دعوى إعادة توزيع تركة، وزمن هذه الدّعاوى لا يمكن تحديده، خصوصاً في ظلّ وجود نزاع وخصومة، وفي حال وجود سلطة مثلاً: الوليّ، الوصيّ، يتدخل القاضي الشرعي الأول لإيجاد التّوازن).

وأضاف: (يسقط حقّ الميراث عن المرأة إذا كانت قاتلة للموّرِث، فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقبَ بحرمانه).

وعن إنصاف القانون السوريّ للمرأة أوضحَ لنا المحامي قائلاً: (المشكلة هي أنّ هيئة التشريع ذكور، والقائمون على تنفيذ القانون ذكور وتطبيقه، ما يجعل القرار الصادر في أغلب الأحيان متحيّز جندريّاً).

وعلى مستوى قضايا الرأي العام قال: (قضايا الرأي العام بشكل عام قضايا جدلية، بحيث يتم تغليب الجانب الإنساني على النص القانوني، فالشّخص الموجود خلف الشاشة لا يمكن أن يكون بوصلة للرأي العام، والقانون فيه إنسانيّة، لكن النّص هو الأوجب تنفيذاً، فهو في النهاية ردُّ فعل اجتماعي على فعل أنكره المجتمع فجرّمه، وكلما تطورت المجتمعات تطوّر القانون).

وفي حالات الحرب وخاصة ما حصل في سورية، حيث فقدت كثير من النّساء أزواجهنّ، واستطاع القانون ضمان حقّ الزّوجة من أملاك زوجها المفقود ولكن ضمن شروط، أوضحها لنا المحامي قائلاً: (يجب رفع دعوى تثبيت حالة الوفاة، وبعدها تستحق تركتها وفقاً للقانون والشّرع، وفي حال التّشكيك بالوفاة اشترط القانون بتعديلاته الجديدة الحصول على موافقة أمنية لرفع هذه الدعوى، وإن تمّ تقسيم الورثة يعاد رفع دعوى تثبيت حالة الحياة أمام المرجع نفسه، وذلك ضمانة لحقوق الورثة وحقوق المدّعين بالحق الشخصي المتضررين من فعل أو إجرام الشخص المدعى بوفاته، وقد ظهرت بالحرب بعد أن كانت شبه مخفية).

كلّ ما تتعرّض له المرأة جعلها خاضعة في معظم الأحيان للفكر الذّكوري الذي لم ينصفها ولم يعطِها حقوقها كاملة، ابتداء بحرية التّفكير والقرار وانتهاء بحقها في تجنيس أطفالها، فالصّراع لنيل حقّ المرأة عالميّ لا يقتصر على بلد محدّد، بل يختلف بنسب معيّنة، ضدّ كل ما ومن يضطهدها، وخاصّة أنّ السّلطة الذكورية في العالم والدّينيّة تحاولُ الهيمنة على المرأة دائماً، وليس لذلك علاقة بالأخلاق والدّين تحديداً، بل تعود أهدافها لإثبات التّحكّم الدّائم بالنّساء وتقويض حريتهنّ.

العدد 1107 - 22/5/2024