لا يقتصر التلوّث على البصر أو على السمع.. بات أساس الحياة

وعد حسون نصر:

التلوّث المحيط بنا من كل الجهات والنواحي، من القمامة المنتشرة في كل مكان إلى درجة بتنا معها نشعر أننا نحيا بين المكبّات، إلى الصرف الصحي فمن أول قطرة مطر نشعر وكأننا في مستنقع، الحدائق بدل أن تكون المُتنفّس لنا ومكان اللهو لأطفالنا بات بعضها مكبَّ قمامة مُحاطاً بأشجار عارية الأغصان، مُكسّرة المقاعد، وترابها جافٌ قاحل متشقّق من قلّة الماء، بسطات الباعة تشغل الأرصفة وتحتل مكان سيرنا نحن المشاة، مع العلم أنه بالإمكان إيجاد مكان خاص للباعة.

لم يقتصر الأمر على رؤية ما حولنا من أشياء تجعل نفوسنا تعجُّ بالفوضى والضغط والتذمّر، إنما غدت الأصوات المزعجة والصاخبة تصدمنا أيضاً بكل مكان يحيط بنا وكأنها طبول تُقرع فوق رؤوسنا طوال اليوم، أصوات المولّدات باتت نغماً يومياً نصحو عليه لنشرب فنجان قهوتنا ويُطربنا في سهرتنا، وفي كثير من الأحيان ننام على هذا النغم. كذلك أصوات شواحن البطاريات المنزلية الذي غدا وكأنه ايقاعنا الونيس، ولا ننسى أصوات الأولاد في الشارع والأمر طبيعي لأنه لا يوجد أماكن للعب في غياب الحدائق كما أسلفنا، وبالتالي لا يملك جميع الأهل ما يمكّنهم من الذهاب بأولادهم إلى أماكن مخصّصة للعب، فمن الطبيعي أن نجدهم في الطرقات وأصواتهم تملأ المكان، حتى أصوات الباعة المتجوّلين لا يمكن أن نحاسبهم عليها أو على عدم تقديرهم للوقت، فلقمة العيش لا تعرف الزمان ولا المكان، لذلك بات التلوّث المرافق لحياتنا اليومية طقساً طبيعياً وشيئاً معتاداً، ولم يعد يقتصر على الدخان المتصاعد من المصانع والمعامل، ولا على رؤية الفوضى في كل مكان حتى ضمن عادتنا اليومية، إنما بات حتى في الموسيقا التي نسمعها يومياً بحجم الفوضى الصاخبة فيها ومدى التشوّه السمعي وتأثيره على نفوسنا وبقائنا في حالة توتر وضوجان، كذلك ما نشاهده من فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي، وحجم الابتذال ضمن محتواها ومدى انعكاسها على المتلقي خاصة الأطفال والمراهقين، فهؤلاء أكبر مُقلّد لما يشاهدون، وهنا بتنا نشاهد في حياتنا نماذج من الأشخاص رؤيتهم وسلوكياتهم بحدِّ ذاتها مصدر للتلوّث البصري والسمعي،  لذا بات التلوث خطراً واضحاً على الفرد والمجتمع، وهنا ينبغي العمل من أجل الحدِّ من ظاهرة التلوّث بكل أشكالها وأضرارها لحماية بيئتنا ومجتمعنا وأنفسنا منها، لأن التوتّر والقلق الذي نحياه أحد أسبابه المباشرة هي أصوات الفوضى ومظاهر العبثية المنتشرة حولنا وأكوام القمامة والضوء الخفيف بسبب فقدان الكهرباء، كذلك البرد الشديد لعدم توفّر مقومّات الدفء بالشتاء وبالمقابل الحر الشديد نتيجة الحرارة الزائدة بالصيف وعدم توفّر تيار كهربائي يدير مراوح التبريد والتكييف، وللحدِّ من تلوّثها لابدَّ من توفير الطاقة وترشيد استهلاكها، كذلك توفير المياه، والحفاظ على نظافة البيئة وخلوّها من النفايات، إذ من المفروض إعادة  تدويرها لكي يُستفاد منها مرّة أخرى. أيضاً على المجالس البلدية في المناطق والبلدات أن تُحدّد وقتاً معيّناً للمولّدات بكل مسمياتها الصناعية والمنزلية للتّخفيف من حدّة صوتها المزعج وللحد من رائحة الدخان الناجم عنها ومدى تأثيره على البيئة. يجب أيضاً الإشراف الدوري على صيانة المعامل وخاصة التي تعتمد على الديزل في تشغيل معداتها للحدِّ من انتشار الدخان منها، فقد بات من حقنا أن نستمتع بيوم خالٍ من الاصوات، يوم كأيامنا القديمة نصحو على رائحة الصباح وندى أزهاره وصوت طيوره، على رائحة قهوته مع أنغام فيروز، بتنا نحتاج إلى بعض الهدوء لنقرأ كتاباً في قيلولة المساء على شرفات منازلنا مع موسيقا هادئة لا مع صوت المولّدات والأطفال والحافلات، نحن بحاجة إلى الهدوء لنتخلّص من تلوّث نفوسنا المفروض علينا بسبب ظروف جعلتنا مشوهين أكثر ممّا حولنا من أثاث وجماد ونبات.

العدد 1107 - 22/5/2024