حول ثورة المعلومات ومجتمع المستقبل

يونس صالح:

إن الرغبة في المعرفة وتحصيل المعلومات هي واحدة من أهم الخصائص المميزة للكائن البشري، إن لم تكن أهم تلك الخصائص على الإطلاق، وتاريخ الإنسان منذ ظهوره المبكر هو تاريخ المعرفة والعكس بالعكس، وقد ارتبط تطور المعرفة وأساليب الحصول على المعلومات وحفظها خلال ذلك التاريخ الطويل بتطور النشاط الاقتصادي والوسائل التكنولوجية التي تساعد على ممارسة ذلك النشاط، ابتداء من مرحلة الجمع والالتقاط إلى مرحلة الزراعة ثم مرحلة الصناعة التي كانت تعتبر حتى عهد قريب آخر وأرقى ما يمكن أن يصل إليه الجهد البشري من حيث التنظيم والإدارة وتحقيق السعادة للإنسان.

ويعتبر الانتقال من كل مرحلة إلى المرحلة التالية بمنزلة ثورة اقتصادية وتكنولوجية واجتماعية وسياسية وثقافية شاملة تنعكس آثارها ليس فقط في تغيير طريقة الحياة الملموسة، بل وأيضاً في أساليب التفكير وتراكم المعلومات والقدرة على الإفادة من هذه المعلومات، لتسهيل الحياة وزيادة التفاعل واتساع نطاق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتحقيق مزيد من التقدم.

وإذا كان النشاط المميز لمرحلتي الزراعة والصناعة هو الإنتاج (الزراعي، والصناعي) الذي يعتمد على تكنولوجيا معينة، وعلى المجهود العضلي بدرجات مختلفة بطبيعة الحال، فإن العالم قد اتجه الآن نحو مرحلة جديدة أو ثورة جديدة شاملة تتراجع فيها الأنشطة والتكنولوجيات القديمة لتحل محلها أنشطة وتكنولوجيات لا تعتمد على القوة الجسدية بقدر ما تعتمد على العمل الذهني المبدع والخلاق الذي يفيد من المعلومات المتاحة له بالفعل، ويعمل على تطويرها لإنتاج وتوليد معلومات جديدة تصلح لتوليد معلومات أخرى أكثر دقة وتطوراً وهكذا، مما يبرّر إطلاق كلمة (مجتمع المعلومات) على هذا الوضع الجديد، ووصف المجتمع المعاصر ومجتمع المستقبل بأنه (مجتمع المعلومات) بل واعتبار العصر الحالي كله عصر المعلومات.

ويتميز مجتمع المعلومات، على ما جاء في التقرير الدولي عن المعلومات عام 2008، بعدد من الخصائص يوجزها التقرير في ثلاث خواص رئيسية هي:

أولاً_ استخدام المعلومات كمورد اقتصادي مهم، من حيث دورها في رفع كفاءة المؤسسات المختلفة وتشجيع الابتكار، وتحسين نوعية الإنتاج.

الخاصة الثانية وهي انتشار استخدام المعلومات بين أفراد الجمهور العام حيث يمكنهم الاعتماد عليها في أداء مختلف أوجه النشاط اليومي، والاستعانة بها في تحديد اختياراتهم والتعرف على حقوقهم المدنية، والارتقاء بمستوى احتياجاتهم.

الخاصة الثالثة هي إمكان تطوير (قطاع معلوماتي) داخل النسق الاقتصادي تكون مهمته تقديم التسهيلات والخدمات المعلوماتية للأفراد والمؤسسات من خلال شبكات المعلومات العالمية.

ويثير مسار ثورة المعلومات خلال العقود المقبلة خيال كثير من المفكرين والعلماء فيما يتعلق بالأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لهذه الثورة، وما سوف يترتب عليها من تغيرات في مجال العمل وإدارة شؤون الحكم في مجتمع المستقبل المعلوماتي.

وربما لن تكون ثورة المعلومات في الفترة القادمة مقصورة على التغيرات الجذرية والفجائية في مجال تكنولوجيا المعلومات، إنما ستكون الثورة الحقيقية في مجال المفاهيم والتصورات، التي سوف تكتسح أمامها كل نظم ومؤسسات المجتمع الحديث، ورغم كل ما قد تؤدي إليه هذه الثورة من تقدم في مختلف المجالات، فإنه ثمة تساؤلات عما إذا كان هذا التقدم سيؤدي إلى تعاون حقيقي بين الدول المختلفة للمشاركة في نتائج وثمار هذه الثورة، أم أن العالم المتقدم سوف ينفرد بكل الفوائد دون البلدان النامية، وعما إذا كانت هذه الثورة تساعد على الاحتفاظ برأس المال الثقافي والفكري لدى كل الشعوب بغير تفرقة، أم ستؤدي إلى القضاء على بعض الثقافات لصالح البعض الآخر وهكذا.

وهذه كلها مجرد تساؤلات، إلا أن المؤكد هو أن المجتمع يسير نحو التزايد والتكاثر والتوالد المعلوماتي، خاصة أن التكلفة المادية للتقدم التكنولوجي المصاحب لهذه الثورة الهائلة في المعلومات تكلفة تافهة إذا قيست بحجم المعلومات وتنوعها والفوائد المترتبة على استخدامها في مختلف جوانب الحياة.

 

العدد 1105 - 01/5/2024