وحدة المصير المشترك

إن مجريات الصراع في المنطقة حالياً تستوجب توسيع مفهوم الصراع العربي الإسرائيلي ليصبح مقارباً للواقع ولمتطلبات مقاومة المشروع الإمبريالي.

*إن مطامع المشروع الأمريكي-الصهيوني وأهدافه تطول الدول العربية بأسرها وليس فلسطين فقط.

*نحو خلق وبلورة جبهة مقاومة عربية شاملة لمواجهة التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي

*نضال واحد لشعب واحد ضد عدو واحد.

 

من دمشق عاصمة الصمود العربي

من سورية بلد الحضارة والثقافة والتاريخ العريق،

يطيب لي باسم قيادة حزبنا الشيوعي السوري الموحد وقواعده وجماهيره أن أبعث إليكم، رفاقنا في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، أطيب التحيات الرفاقية مقرونة بأجمل التهاني لكم ولجماهيركم وللشعب الفلسطيني المقاوم، وأقول لكم بهذه المناسبة الغالية على قلب كل مناضل من أجل الحرية والاستقلال لبلاده والكرامة لأبناء شعبه: كل عام وأنتم بخير.

خمسة وخمسون عاماً من النضال والكفاح الوطني- في سبيل فلسطين وأبناء فلسطين والمسيرة مستمرة حتى التحرير والعودة والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

 

الرفاق الأعزاء

لقد اعتبر حزبنا دائماً ولا يزال يعتبر أن الموقف من الصهيونية والقضية الفلسطينية هو البوصلة التي تؤشر إلى الكثير من المسارات السياسية الأخرى في المنطقة، والتي تحدّد، على أساسها، موقفه من القضايا المتعلقة بها. وأن من المهام الأساسية: النضال مع جميع قوى حركة التحرر الوطني العربية، بصفتنا جزءاً منها، من أجل تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة، واستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني في العودة إلى أرضه وتقرير مصيره عليها، وبناء دولته الوطنية المستقلة وكاملة السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس.

إن مجريات الصراع في المنطقة حالياً تستوجب توسيع مفهوم الصراع العربي الإسرائيلي، ليصبح مقارباً للواقع ولمتطلبات مقاومة المشروع الإمبريالي، بحيث يكون الصراع بين طرفي المعادلة الحقيقية، وهما: أنصار الاستقلال والسيادة الوطنيين لجميع دول المنطقة من جهة، وبمواجهة الهيمنة الامبريالية وأدواتها الصهيونية والرجعية العربية من جهة أخرى.

ولأن القضية الفلسطينية قضية عربية لها بعدها القومي، ولأن المشروع الصهيوني لا يستهدف فلسطين فقط. بل يستهدف الأمة العربية بأسرها. من هذا المنطلق طرح حزبنا ومازال يؤكد ضرورة إقامة جبهة مقاومة عربية شاملة للتصدي للمشروع الصهيوني الخطير الذي يستهدف المنطقة بأسرها.

ومن هذا المنطلق تبرز الحاجة لتشكيل جبهة مقاومة عربية واسعة لمواجهة التطبيع أولاً ولإسناد ودعم كفاح الشعب الفلسطيني بكل أشكاله، وبحاجة إلى مزيد من التعاون والتنسيق بين الأحزاب والقوى والحركات الوطنية اليسارية والتقدمية على امتداد الساحة العربية من أجل بلورة جبهة مقاومة متماسكة ومتراصة، وقادرة على الاستفادة القصوى من التوازنات الدولية الجديدة في مواجهة مخاطر الأزمة الوجودية التي تعصف بعدد من دول المنطقة وتهدد بتفككها وتقسيمها. مشروع تحرري يخرج حركة التحرر الوطني من أزمتها عبر المقاومة بكل الوسائل وباستخدام كل أشكال النضال الملائمة والمطلوبة لصد العدوان الصهيوني وطرد المحتل الأجنبي. وهذا يتطلب أولاَ مواصلة كل الجهود لإنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية على أسس سياسية وتنظيمية واضحة وراسخة وعلى أساس برنامج سياسي مقاوم.

وإننا على ثقة بأن القضية الفلسطينية ستظل الحلقة المركزية لدى الشعوب العربية ولكل الأحزاب والقوى التقدمية والديمقراطية بالعالم أجمع رغم هرولة بعض الحكام العرب باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني ورغم الانكسارات والتراجعات التي تشهدها بعض الدول العربية ورغم تراجع حركة التحرر الوطني العربية، ورغم ازدياد حدة المخاطر التي تعصف بعدد من دول المنطقة ورغم انقسام الصف الفلسطيني تبقى قضية فلسطين هي القضية المركزية والرئيسية بالنسبة للشعوب العربية ولقواها وأحزابها الوطنية المخلصة، ويبقى أمل شعوبنا بالنصر القريب نبراس نضالنا الثوري، وهذا يقتضي من القوى والأحزاب الفلسطينية -اليوم أكثر من أي وقت مضى- إنهاء الانقسامات وتطوير المقاومة الشعبية بكل الوسائل وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية (البيت الجامع) على أسس ديمقراطية بمشاركة جميع الفصائل، كما هو مطلوب قيام تضامن شعبي عربي واسع بين أبناء جميع الدول العربية وتفعيل الدور العربي المشترك والعمل على حشد جهود القوى الوطنية والأحزاب الشيوعية والعمالية واليسارية والمنظمات العالمية من لجان ونقابات ومنظمات مجتمع مدني وأهلي لدعم النضال الشعبي الفلسطيني في نضاله المستمر من أجل حقوقه المشروعة.

إن الشعب السوري ممثلاً بقواه وأحزابه الوطنية، لم ولن يتخلى عن القضية الفلسطينية. بل لم تغب هذه القضية عن بال أبناء سورية رغم المآسي التي عاشوها خلال سنوات الجمر- فمنذ أكثر من 10 سنوات تخوض سورية حرباً متعددة الأطراف والجبهات تعد أخطر ما واجهته منذ استقلالها، فقد شنت عليها قوى العدوان وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها حملة تآمرية واسعة هدفت إلى إعادة رسم خارطة المنطقة بما يؤمّن إخضاعها لمخططاتها ومطامحها الجيوسياسية فضلاً عن هدفها الثابت في حماية أمن الكيان الصهيوني، وكان الهدف الرئيسي لهذه الحملة هو تدمير الدولة السورية- دولة المقاومة- بجميع مقوماتها، وشارك في هذا العدوان على نحو مباشر عدة دول عربية.

وفي الوقت ذاته أنابت هذه القوى عنها في اجتياح الأراضي السورية جحافل مسلحة من تنظيمات ومجموعات تكفيرية من (داعش) و(النصرة) وغيرهما. كانت قد نشأت وترعرعت على أيدي القوى الرجعية السلفية الداخلية والإقليمية وضمت في صفوفها عشرات الألوف من الإرهابيين الذين جاؤوا من مختلف بلدان العالم تحت شعارات سلفية تهدف إلى إقامة ما يسمونه (الدولة الإسلامية في سورية والعراق).

قامت هذه القوى الإرهابية بتدمير البنى التحتية للدولة، من طرقات وجسور وسكك حديدية وآبار ومصافي للنفط. وصوامع للحبوب وهدمت المدارس والمستشفيات والمصانع والمعامل ودور العبادة …الخ.

وقد جابهت سورية هذه الحرب بقوة وبسالة منقطعة النظير، وتمكنت بصمودها الأسطوري وبالتضحيات الهائلة التي بذلها شعبها الجبار وجيشها الباسل، تمكنت من دحر هذا العدوان وتحرير معظم الأراضي السورية وإعادة سيطرة الدولة عليها.

ورغم كل هذه السنوات العجاف سنوات الحرب والجمر لم تغب القضية الفلسطينية عن عقول وقلوب أبناء سورية، فكانوا يتابعون أخبار فلسطين ونضالات أبناء فلسطين يوماً بيوم وساعة بساعة، ويعلنون مواقف الدعم والمساندة للمناضلين الفلسطينيين، يفرحون ويزغردون لأي انتصار يحققه شعب فلسطين ويتألمون لأي خسارة لأبناء فلسطين.

لقد ارتبطت سورية بفلسطين وارتبطت فلسطين بسورية وتداخلت نضالات شعبنا العربي الفلسطيني في مقاومة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين – تداخلت واندمجت بنضالات شعبنا العربي السوري في مقاومة المعتدين ومحاربة الإرهابيين.. نضال واحد لشعب واحد ضد عدو واحد.. إنها وحدة المصير المشترك، والمستقبل المشترك.

 

نجم الدين الخريط

الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد

عضو القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية في سورية    

 

 

* نشرت هذه المقالة في العدد 56 الخاص، تموز (يوليو) 2022 من مجلة (نضال الشعب) لسان حال اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني.   

العدد 1105 - 01/5/2024