مثل أي مُقتنى!

وعد حسون نصر:

مثل أي مُقتنى باتت أجسادنا وأرواحنا، رغم كل شعارتهم واتفاقياتهم.

جعلوا منا قطع تبديل تباع في أسواقهم السوداء، نحن العرب بشكل عام. والسوريين بشكل خاص غدونا خارج سطور اتفاقياتهم، على الرغم من سن النصوص وعقد الاتفاقيات والمصادقة والتوقيع عليها لعدم الاتجار بنا، كنا أول من تاجروا هم شخصياً بنا، بات السوري لاجئاً في بلده قبل أي بلد أخر، يعمل طوال النهار بأجر بخس لا يتناسب مع مصروفه ومستلزماته، دمرت أحلامه مع تدمير سقف منزله، مع تدمير مقاعد دراسته، مع تدمير آلة العمل مصدر قوته، مع تدمير مصدر رزقه،  بات لاجئ الداخل والخارج يقف على أبواب السفارات منتظراً بصيص أمل مع ختم يوضع على جوازه ليرحل ويبدأ من جديد، وعند دخولنا أي بلد نحن السوريين كأن لعنة القدر فرضت علينا بوصمة لاجئ، بتنا ننتشر في أصقاع الأرض، منا من ذهب برغبته ليبدأ من جديد، ومنا من ذهب مرغماً، ومنا من ذهبت أشلاؤه لترقد في أجساد الأثرياء بعد أن قُسم لأعضاء،  ومنها من أخذ عن ثدي أمه ليكون ابناً شرعياً لأم لم تعرف يوماً ما تقلصات الولادة ولا ألم المخاض، هكذا بات السوري مغيّباً عن كل القوانين، مغيّباً عن حقوق الإنسان وبنودها، بات آلة تعمل فقط ومجرد إصابتها بخلل أو عطل تركن جانباً دون خسارة أي قيمة مالية لإصلاحها، في مخيمات الجوار بات نكرة وكأنه لا يتمتع بصفة الإنسانية، أداة في هذا البلد أو ذاك لجمع المال عليه من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي فقط،  في بلده مجرد أن يتنفس ويعمل ولا يمكنه أن يحلم أو يفرح أو يحقق ذاته، وبالرغم من جميع اتفاقيات حقوق الإنسان وعدم الإتجار بإنسانيتنا، إلا أننا نحن السوريين أول من تاجروا جميعهم بنا، قتلوا أحلامنا، شُردنا، هُجرنا، هُدمت منازلنا، مات أحبتنا دون أن نعرف أين قبورهم لنزرع عليها ورداً وياسميناً، فقدنا كثيرين ولم نعرف ما إذا كانوا أحياء أم أمواتاً، عُذبنا وسافرت قلوبنا وأدمغتنا وقرنيات عيوننا وكبدنا ونخاعنا ورئتنا وكليتنا بصناديق من الثلج إلى العالم قطعاً تخبر عدم مصداقية اتفاقياتهم جميعاً، أخذوا أطفالنا عن أثداء أمهاتهن ليكونوا أبناء لأمهات دون أي ألم لطلقة خلاص، والكثير الكثير من أطفالنا باتوا مشردين على الأرصفة وفي طرقات الوطن ، هكذا طبقوا علينا نحن السوريين عدم الاتجار بالبشر، فجعلوا منا قطعاً وتاجروا بها!

العدد 1107 - 22/5/2024