أرواحنا العطشى

وعد حسون نصر:

في زمن العنف المادي، والمعنوي، واللفظي، والجسدي الناتج عن القهر والذل والحرمان، عن انعدام الانسانية بتبرير الظروف.. في زمن الخذلان للطموحات، للأحلام، لمكانة مرموقة بعد دراسة سنوات، أرواحنا عطشى للانتصار على الهزائم المحيطة بنا من كل صوب، فنحن بحاجة ماسّة للعودة من جديد بذات قوية نحبها نحترمها، وذاكرة نشطة تتغلّب على كل وساوسها وهواجسها، لذلك وجب علينا الترميم لهذه الذات والتنشيط للذاكرة ربما بالمغامرة، وإن فشلت لمرّة أو مرّات فلنعتبرها كبوة فارس نفضَ غبار السقوط وعاد أكثر بسالة متجاوزاً الحاجز إلى منصّة التكريم. إذ لابدَّ من أن نجد وقتاً ممتلئاً لأن الوقت الفارغ هو ساحة الشيطان بوساوسه وأفكاره الخبيثة، فلنعد رويداً رويداً للمطالعة فهي أقلُّ تكلفة في زمن المادة، المطالعة تُشذِّب الفكر وتنسج طموحاته ورؤاه، تكسبه مهارات لغوية ومفردات، حتى إنها تكسبه طاقة ايجابية، وإن كنّا لسنا من محبي المطالعة، ربما نقوم ببعض النشاطات الرياضية الجماعية من خلال نوادٍ، أو الفردية إذا كنّا لا نستطيع، فالرياضة حياة لجسدٍ أنهكه الخمول، لفكر أنهكته الديون والأقساط والأعمال والطموحات النائمة، حتى وإن كانت هذه الرياضة عبارة عن مشي في طريق مفتوح، فالهواء سيعيد لنا انتعاش أرواحنا المخنوقة بغبار الحياة، أشياء كثيرة تسقي أرواحنا وتعيد لذاتنا طاقتها الإيجابية، فقد تكون في الابتعاد عن السلبيين بأفكارهم المحبطة، عن الثرثارين بالانتقادات والأفكار الخبيثة، عن المجحفين لنعم جميلة وجدت بين أيديهم، عن المكتئب الذي لا يعرف من الحياة إلاّ قبحها، وبالمقابل الاقتراب من أنفسنا، لنحبّها ونقدّرها لنصنع الراحة لنا ولمن حولنا،  نؤمن بمقدراتنا، نتحدث مع أرواحنا عن مقدراتنا، عن أعمالنا الجميلة، عن انتصارنا على الوقت،  ولنصرف شيطان الخسائر عنّا بإيمان أننا دائماً سنربح، لأننا لسنا من محبيّ الهزائم، فلنخلق من العدم حياة، ربما بإعادة التدوير لأشياء منسية نجعلها ذات فائدة، ربما ببقايا طعام في ثلاجتنا نعيده  للمائدة، أو لثياب رثّه نجعل منها ملابس ثمينة تخبر عن حبنا للجديد بإطلالة جميلة، حبنا لذاتنا وإيماننا بمقدراتها واستقبال الهزيمة واللوم وحتى الخسارة بضحكة القوي هي خير مجابهة نواجه بها ما حولنا من ضعف، فلنصنع من الهزيمة انتصاراً نقنع به ذواتنا أن وراء كل عظيم خسائر كبيرة تجاوزها ووصل إلى القمة، وراء كل نهوض علمي تجارب فاشلة، ووراء كل حرب دمار، ووراء كل برج بيوت سقطت لينهض شامخاً، ووراء كل ذات مزهرة جفاف سقيناه من حبنا لأنفسنا فأزهرنا حباً للآخرين والحياة، ورسم ملمحنا الجميل وأخرج منّا معالم الملائكة متربعة على حقد شياطين القباحة.

العدد 1105 - 01/5/2024