تشي.. لذكراك الخلود!

علي شوكت:

(لا يهمّني أين ومتى سأموت، بقدر ما يهمّني أن يبقى الثوار يملؤون العالم ضجيجاً، كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء والبائسين والمظلومين) _ غيفارا

أربعة وتسعون عاماً على ولادة الثائر العظيم، والقائد الملهم عبر التاريخ الحديث، إنه القائد المعلم تشي غيفارا.

ففي يوم ١٤ حزيران، من عام ١٩٢٨، ولد أرنستو تشي غيفارا، لأبوين أرجنتينيين.

ابدى القائد تشي حبه للطبيعة وشغفه بالعلوم، فدرس الطبّ في بيونس أيروس، عاصمة الأرجنتين. وقام خلال دراسته، برحلة على درّاجة ناريّة مكّنته من زيارة كثير من دول أميركا اللاتينيّة التي كان ينظر إليها بوصفها منطقة واحدة جغرافياً وحضارياً.

تعتبر مذكرات تشي غيفارا ذات طابع ثوري وإنساني من خلال كتابه (رحلة على دراجة نارية). وقد دفعه إلى كتابته ما رآه بأمّ العين من مآسٍ في البلدان التي زارها، وردّ ذلك في معظمه إلى السيطرة البورجوازيّة، واحتقار الفلّاحين المزارعين واستغلالهم بطريقة مذلّة. لقد شارك غيفارا في الكثير من الأعمال الثوريّة النضالية، فقد انتقل إلى كوبا وشارك في معارك تحرير كوبا والإطاحة بالديكتاتور العميل باتيستا، مع رفاقه الكوبيين بقيادة القائد فيديل كاسترو، وغدا غيفارا، بعد انتصار الثورة الكوبية، الرجل الثاني في كوبا، فتولّى مناصب وزاريّة وعسكريّة رفيعة، منها وزارعة الصناعة، والمصرف المركزي، وسفير منتدب إلى الهيئات الدولية الكبرى ومسؤول التخطيط.. الخ.

اعتبرته مجلّة (تايم) من الشخصيّات المئة الأكثر تأثيراً، في القرن العشرين. فقد تحول إلى رمز عالمي للنضال الثوري وأيقونة للثوار في جميع أنحاء العالم، وانتقل إلى إفريقيا للمشاركة في عمليات التحرير،

تحوّل غيفارا إلى رمز عالميّ للنضال الثوريّ في سبيل التحرّر، عن طريق المواجهة العسكريّة مع المستغلِّين وقاهري الشعوب.

كان تشي ظاهرة إنسانيّة ثورية بالغة الرمزيّة، وسواء اختلف البعض معه أو وافقه إلا أنه لا يستطيع أحد إلا أن يعتبره منارة أضاءت الدرب أمام الكثيرين من المظلومين، ودفعتهم إلى إعادة تقييم أوضاعهم المعيشيّة، واتّخاذ مواقف جذريّة من الكثير من الممارسات السياسيّة اللاإنسانيّة التي تستهدفهم، ولفتت نظرهم إلى حقوقهم المهدورة، وربّما، حملتهم على التحرّك لتغيير أوضاعهم.

سافر تشي إلى العديد من بلدان الشرق الأوسط، منها مصر وسورية والجزائر إضافة إلى الاتحاد السوفيتي والصين. وناصر حركات التحرر العربي والعالمي، وخاض صراعاً كبيراً في الكونغو حاول فيها دعم الثورة وتشكيل قوات الثورة الكونغولية وقيادتهم. وبعد الانسحاب منها وفشل الثورة هناك لأسباب عديدة سافر إلى بوليفيا وحاول مساعدة الثوار البوليفيين. أُسر بعد ان تعرض لكمين غادر هو ورفاقه الثوار، بسبب وشاية، وأُعدِم في التاسع من تشرين الأوّل، من عام ١٩٦٧، بعد يوم واحد من اعتقاله ومحاكمته محاكمة ميدانيّة سريعة، على يد القوات البوليفية والاستخبارات الامريكية.

لقد أبدع المصوّر ألبرتو كوردا بالتقاطه صورة لـ تشي (في ٥ آذار ١٩٦٠)، أثناء مشاركته في تشييع ضحايا تفجير الباخرة la courbe التي كانت تفرغ حمولتها من الذخائر البلجيكيّة في ميناء هاڤانا.

مازالت هذه الصورة توزّع وتنشر بعد مرور عقود على التقاطها، وقد دخلت أكبر عدد من غرف المراهقين وهواتفهم في مختلف أصقاع العالم، وارتفعت إلى مستوى الأيقونات البالغة الأهمّيّة.

الرفيق، القائد المعلم، الثوري العضوي، المناضل، أيقونة الثورة والثوار، باقٍ في قلوب الملايين كالشمس في وضح النهار، كالقمر في ظلام الليل.

القائد تشي غيفارا لم يمُت ولم يرحل عنا يوماً.

هو باقٍ في عقولنا وفكرنا وحبنا للحياة الكريمة المعطاء.

ذكراه ماثلة أمامنا مع كل طلعة شمس، مع كل ضربة معول، مع كل لقمة تسد رمق كل جائع، مع كل فكرة تتوق للانعتاق من نير الاستغلال والعبودية والانطلاق إلى رحاب الحرية في الكون الواسع.

غيفارا، أيها القائد، أنّى أن يكون لك مثيلٌ في هذا الكون، فقد كنت البداية المستمرة التي لا نهاية لك، والعطاء الذي لا مثيل له، والعنفوان الذي لا حدود له، والحب لجميع الناس الذي لا انقطاع له.

ما زلت وستبقى حياً في قلوب وعقول الملايين من البشر الذين جعلوا منك أيقونة، لا لتعلق على جدار بل لتكون ملهمة لدربٍ طويل من النضال.

 

العدد 1105 - 01/5/2024