لا للعنف!

جمانة جوزيف أوسي:

أطلقت الهيئة السورية لشؤون الأسرة منذ بداية الأزمة حملة مناهضة للعنف تحت عنوان (لا للعنف)، ومن ضمن برامجها مبادرة (لا تسكتي) التي تهدف إلى مساعدة المرأة في حماية نفسها من العنف الذي تتعرض له ودعمها لتشعر بالأمان، ولكن هل هذه الحملة كافية لمعالجة ظاهرة العنف بجميع أنواعها في المجتمع؟

ما هي الأسباب التي أدت إلى ظهور سلوك التنمّر بين الأفراد؟ هل أثّرت الحرب التي عاشتها سورية خلال السنوات العشر الأخيرة في دخول العنف إلى الأسرة السورية؟ ما هو الحل؟ وكيف نبدأ؟

 

ما هو العنف؟

وفق منظمة الصحة العالمية للمكتب الإقليمي في الشرق المتوسط: العنف هو إحدى المشكلات الصحية العمومية التي تحدث نتيجة لاستخدام القوة والعنف البدني عن قصد، سواء للتهديد أو للإيذاء الفعلي ضد النفس أو ضد شخص أخر أو ضد مجموعة أو ضد مجتمع. وقد يؤدي العنف أو يحتمل أن يؤدي إلى الإصابة أو الوفاة أو الضرر النفسي أو سوء في النمو أو الحرمان.

وقد أصبح العنف واحداً من المشاكل الصحية الرئيسية في وقتنا الحالي، ولا يوجد مجتمع أو بلد لم يتأثر بالعنف ولا يستثنى من ذلك إقليم شرق المتوسط.

والأحداث الأخيرة في سورية أثرت بشكل مباشر على الأسرة السورية، فالإرهاب الذي دخل على الجسم السوري أدى إلى ظهور العنف داخل الأسرة، ولم تكن ضحيته المرأة فقط وإنما الرجل والأطفال، لذلك من الضروري أن نعرف أنواعه ونميّز بينها، لنتمكن من وضع حلول مناسبة لها:

 

أولاً_ العنف الاقتصادي

وهو الحرمان المادي، والحصار الذي تعيشه الدولة السورية اليوم هو بحقّ شعب، وهذا العنف هو الأسوأ لأن غالبية الشعوب تتعامل معه بصمت، ولذلك هو يستمر مدة زمنية أطول، وهذا النوع من الحرمان سيطول الأسرة حتماً، وعندما يكون الأب أو الأم عاجزين عن تلبية حاجات أطفالهم الضرورية والأساسية فحتماً سيكون الجو داخل البيت غير هادئ، وستفقد الأسرة شعورها بالأمان، وقد يؤدي إلى تحكّم رب الأسرة (الأب أو الأم) بالمصروف وبالدخل، وباختيار نوع الدراسة أو العمل أو الأصدقاء وغير ذلك.

 

ما هو الحل لمعالجة هذا النوع من العنف؟

نحن كشعب سوري نستطيع أن نواجه الحصار المفروض علينا من دول الغرب، عندما نقوّي وندعم قدرة الفرد على الإنتاج.. فكل فرد في المجتمع مهما كانت مكانته وقوميته له دور في عملية الإنتاج، ويوجد اليوم مبادرات من خلال المشاريع الصغيرة ودعم أصحاب المهن تمكنت من مساعدة الأسرة ودعمها مادياً، ولكن لكي يكون الفرد في المجتمع منتجاً لا يكفي أن يكون صاحب مهنة، وإنما هو بحاجة إلى تطوير شخصيته لكي يكون قادراً على تأمين الهدوء والرفاه داخل الأسرة، وهذا يتحقق من خلال العمل على إدراك أهمية بناء علاقة مع ذاته وتقبّلها، ومعرفة نقاط الضعف لديه، وكيف يطورها، يجب أن يعرف ما هو قادر عليه وبماذا هو متميز، وأن ينمي قدرته على التواصل الإيجابي مع الآخر لكي يكون فاعلاً، وبالتالي فرداً منتجاً، أي نحن بحاجة لتنمية الوعي لديه ليتقبّل ذاته ويحترم ويقدّر غيره.

 

ثانياً_ العنف الجسدي

وهذا هو العنف الذي تعمل على معالجته مبادرة (لا تسكتي)، العنف الجسدي هو أبسط أنواع العنف ولكن أكثرها وضوحاً، وهو النوع الذي يهتم به الإعلام والهيئات والجمعيات، إن العنف الجسدي هو سلوك يظهر على شكل أفعال وقد تؤدي هذه الأفعال إلى الانتحار أو القتل.

 

ما هو الحل؟

بالدرجة الأولى يجب الاهتمام بمعالجة سلوك الأفراد، من خلال وضع خطة سلوكية ضمن المجتمع المحلي لتفادي أن يصبح لدينا شخصية عدوانية ومتنمرة. ولنتمكن من تفادي السلوك العنيف داخل الأسرة نحن بحاجة إلى تهيئة وإعداد الشاب والشابة قبل الزواج، لا يكفي أن نحدد العمر المناسب للزواج. يشبه الزواج تأسيس شركة، ولكي تكون قوية ومتينة يجب الاستعداد لبنائها بطريقة إيجابية وصحيحة.

أقترح أنه من الممكن أن تهتم حملة (لا للعنف) التي تنادي بها الهيئة السورية لشؤون الأسرة والإسكان بالتعاون مع الحكومة والوزارات المعنية بوضع قوانين يلتزم بها الشاب والشابة قبل الزواج مثلاً:

القيام بدورة للاستعداد للزواج والحصول على شهادة مصدقة من الحكومة السورية بأن هذا الثنائي أصبح مستعداً وقادراً على تحمل مسؤولية تأسيس أسرة وإنجاب طفل جديد، وكل فترة زمنية (من الممكن كل 6 أشهر) يخضع الزوجان لدورات جديدة تهدف إلى تمكينهما ليبقيا على تواصل مستمر بالمتغيرات والتطورات التي تحدث في البيئة، وفي حال واجها أي صعوبة أو تحدٍّ يُعالَج منذ البداية، وهكذا تتدرب الأسرة من اللحظات الأولى على الحوار للوصول إلى ايجاد حل لأي خلاف بطريقة إيجابية.

كما إنه من الضروري أن ندرك أن الزواج ليس انتصاراً، وإنما هو حق لكل شاب وشابة وأن فيه مسؤولية اتجاه المجتمع، وبالتالي يجب أن تدرك الشبيبة أن الدعامة الأساسية لهذه الشراكة لكي تستمر مدى الحياة هي الحب، وليس المصلحة أو المنفعة، فلا تبنى الشراكة بالكذب والخداع ولا بأن تفرض الفتاة نفسها على أسرة الشاب أو العكس، وهنا يجب أن يدرك كل فرد بالأسرة دوره، للأهل دور وللزوجة دور كما للأقارب دور، لذلك التوعية ضرورية ليعرف كل شخص مكانته ويلتزم بها منذ البداية.

ثانياً الأمر الذي يدفع الفرد ليسلك سلوك عنيف هو الضغط وضعف تقديره لذاته وعدم تعامله الصحيح والإيجابي مع المشكلات والثغرات الداخلية مثل الغيرة والحسد، تقبّل ما لديه، احترام نجاح الآخر، تقبّل الفشل والبحث عن الطريقة المناسبة والصحيحة لتحويله إلى نجاح وانتصار.

وهذه نقطة جداً مهمة وضرورية لأن الكثير من السلوك العنيف يكون مرافقاً له شعور بالذنب وعدم القدرة على التعبير ورفض الاعتراف بالضعف أو الفشل أو بأنه أخطأ، لذلك أقترح الاهتمام ببرامج مهارات الحياة وبناء وتطوير الذات كي يبتعد الإنسان عن تبكيت النفس وتعذيبها في حال حدوث أي خلل أو نقص.

إن قانون الأحوال الشخصية يعالج ما ينتج عنه سلوك الفرد، ولكن نحن بحاجة إلى قانون يتضمن برنامجاً يهدف إلى تنمية الفرد وبنائه ورفع تقديره لذاته وقبول النفس كما هي والعمل على تطويرها، ومساعدة الآخر على تطوير نفسه.

أي لا أن ننتظر ليصبح في المجتمع أشخاص متنمرون وعنيفون، وإنما العمل على تهيئة بيئة مريحة هادئة قدر المستطاع.

النوع الثالث هو العنف اللفظي والنفسي: وهو أسوأ أنواع التعنيف لأن آثاره غير واضحة جسدياً وإنما تأثيره المباشر على النفس وعلى نمو الشخصية وتطورها، ونلاحظ فئة تستخدم ألفاظاً سلبية وهي لا تدرك أنها على غلط، وترفض الاعتراف بسلبيتها في التحدث مع باقي أفراد الأسرة، وهناك نوع آخر يعرف ويدرك ويقصد تهميش غيره وتصغيره في حديثه.

 

ما هو الحل؟

تنمية القراءة داخل الأسرة، نحن نهتم بتعليم الطفل القراءة، ولكن الأهل أيضاً بحاجة إلى جلسات للقراءة والمناقشة، ليس من الضروري قراءة كتاب قصة من (200) صفحة، وإنما قصة قصيرة فيها عبرة اجتماعية، هذا كفيل برفع مستوى اللغة والوعي لديهم.

الاهتمام بالنشاطات الاجتماعية ضمن البيئة الواحدة والانتباه لاختيار الأشخاص التي ستقود هذه الأنشطة، وأن يكونوا على سوية ثقافية قادرة على إحداث تغيير في المجتمع.

النوع الرابع هو العنف الروحي وهو ما تمارسه الدول الرأسمالية بحق الشعوب الأخرى، فهي تعمل على تشويه المعتقد والدين واستغلاله لتحقيق أهدافهم بالهيمنة والسيطرة على موارد الشعوب المعنّفة.

إن هذا النوع من التعنيف يهدم ويخرب شعوباً وحضارات بأكملها، وللأسف الشعب الذي يمارس عليه التعنيف لا يدرك ذلك إلاّ بعد مرور سنين طويلة وربما عقود طويلة.

أما بالنسبة للحرب التي حدثت في سورية، فلقد تم استغلال المعتقد والدين وتشويههما، بهدف السيطرة على منابع النفط ونهب الآثار.

ما هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذا النوع من العنف؟

تتميز سورية بنسيجها الكبير والمتنوع الذي يحتوي، إضافةً إلى العرب، على العديد من القوميات مثل الأرمن والشركس والسريان والكلدان والآشوريين وغيرهم، لذلك الاهتمام بتنمية تراثهم والحفاظ على تقاليدهم وعاداتهم من خلال المشاركة بأعيادهم والتعاون بمواسم الحصاد والزراعة والحفاظ على الموروث الثقافي والطقوس التي تمارسها كل قومية مثل الاحتفالات بحصاد القمح وزرع الزيتون وعصره، قطف العنب وعصره. إن مهرجان الوردة الجورية الذي تقوم به الأمانة السورية للتنمية هو من ضمن البرامج التي تعمل عليها الدولة السورية في حفظ التراث وحمايته.

كما يجب العمل على التوعية الدينية الصحيحة، وليس تحفيظ وتلقين الآيات الدينية الموجودة ضمن الكتب المقدسة، فالدين هو حياة وتعاليم، نحن بحاجة لنعيش مع بعضنا البعض القيم والتعاليم التي تركها لنا الأنبياء والرسل، نحن بحاجة لنعرف معتقداتنا ومعتقدات غيرنا لنؤمن ونحافظ على معتقدنا ونحترم ونقدر معتقد غيرنا.

ومن الضروري أن ندرك أن العنف الروحي ينتج عنه عنف اجتماعي مثل الزواج المبكر، الأخذ بالثأر، إعطاء طفل لتقوم بتربيته عائلة أخرى لا تنجب أطفالاً وغيرها.

وللعنف الاجتماعي ثلاثة أنواع:

عنف جماعي: ترتكبه جماعة من الأشخاص بحق فرد قد تجتمع هذه الجماعة لهدف سياسي لتحقيق مكسب مثل منصب أو نفوذ.

عنف بين الأشخاص وهو التنمر ونجده كثيراً في المدارس والأندية والحارات وحتى في أماكن العمل حيث يستخدم المتنمرون كلمات سيئة وألفاظاً جنسية إباحية بالعلن تهدف إلى تشويه سمعة الفرد الممارس عليه التعنيف.. أقترح أن تجري معالجة التنمر من خلال الهيئات والمؤسسات التابعة للدولة ووضع قوانين صارمة لتحقيق العدل والأمان للأفراد خاصة إذا تمت ممارسة هذا النوع من العنف بحق شابة أو شاب بهدف منعه من ممارسة عمله أو الدراسة، في هذه الحالة يجب أن تتعامل الجهات المعنية بجدية مع هذه السلوكيات لأنها تسبب فساداً ضمن المؤسسة، وبالتالي ضمن المجتمع، ولا يمكن أن ننتظر حتى يشتكي المتنمر عليه، لأن المتنمرين سيزيدون من سلوكيات وأفعال العنف عليه، وللأسف مثل هؤلاء يتفاخرون بإظهار عدوانيتهم وبقدرتهم على زرع الخوف في نفوس الآخرين.

الحرب التي تخوضها سورية هي ضد الإرهاب الذي ولّد العنف وأثّر على الشبيبة وعلى الأسرة، والدولة بحاجة لأي مبادرة صادقة وكل شخص له دور ومكانة، سورية بحاجة لكل أبنائها بكل مكان. سورية وطن للجميع.

سورية أم للجميع.

العدد 1140 - 22/01/2025